الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَلاَ شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ وَإِذَا أَقَرَّ صَانِعٌ مِنْ صِنَاعَتِهِ لِرَجُلٍ بِشَيْءٍ إسْكَافٌ أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِخُفٍّ أَوْ غَسَّالٌ أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِثَوْبٍ فَذَلِكَ عَلَيْهِ دُونَ شَرِيكِهِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ شَرِيكُهُ مَعَهُ, وَإِذَا كَانَا شَرِيكَيْنِ فَالشَّرِكَةُ كُلُّهَا لَيْسَتْ مُفَاوَضَةً وَأَيُّ الشَّرِيكَيْنِ أَقَرَّ فَإِنَّمَا يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ دُونَ صَاحِبِهِ وَإِقْرَارُ الشَّرِيكِ, وَمَنْ لاَ شَرِيكَ لَهُ سَوَاءٌ, وَإِذَا أَقَرَّ رَجُلٌ فِي مَرَضِهِ بِدَيْنٍ لِأَجْنَبِيٍّ, وَقَدْ أَقَرَّ فِي صِحَّتِهِ أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِدُيُونٍ فَسَوَاءٌ إقْرَارُهُ فِي صِحَّتِهِ وَمَرَضِهِ, وَالْبَيِّنَةُ فِي الصِّحَّةِ, وَالْمَرَضِ وَالْإِقْرَارُ سَوَاءٌ يَتَحَاصُّونَ مَعًا لاَ يُقَدَّمُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَلَى الْآخَرِ فَإِذَا أَقَرَّ لِوَارِثٍ فَلَمْ يَمُتْ حَتَّى حَدَثَ وَارِثٌ يَحْجُبُ الْمُقَرَّ لَهُ فَإِقْرَارُهُ لاَزِمٌ وَإِنْ لَمْ يَحْدُثْ فَمَنْ أَجَازَ الْإِقْرَارَ لِلْوَارِثِ وَخَالَفَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَصِيَّةِ أَجَازَهُ لَهُ وَمَنْ رَدَّهُ رَدَّهُ لَهُ, وَلَوْ أَقَرَّ لِغَيْرِ وَارِثٍ ثُمَّ مَاتَ وَارِثُهُ فَصَارَ الْمُقَرُّ لَهُ وَارِثًا أَبْطَلَ إقْرَارَهُ, وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا أَقَرَّ بِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْمِثَالِ, وَإِذَا كَانَ الرَّجُلاَنِ شَرِيكَيْنِ فَأَوْصَى أَحَدُهُمَا أَوْ أَعْتَقَ أَوْ دَبَّرَ أَوْ كَاتَبَ فَذَلِكَ كُلُّهُ فِي مَالِ نَفْسِهِ كَهَيْئَةِ الرَّجُلِ غَيْرِ الشَّرِيكِ, وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ لِلْحَمْلِ بِدَيْنٍ كَانَ إقْرَارُهُ بَاطِلاً حَتَّى يَقُولَ كَانَ لِأَبِي هَذَا الْحَمْلُ أَوْ لِجَدِّهِ عَلَيَّ مَالٌ فَيَكُونَ ذَلِكَ إقْرَارًا لِلَّذِي أَقَرَّ لَهُ بِهِ, وَإِنْ كَانَ هَذَا الْحَمْلُ وَارِثَهُ أَخَذَهُ, وَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ مَعَهُ أَخَذَ مَعَهُ حِصَّتَهُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لِلْمَيِّتِ, وَإِنَّمَا لِهَذَا مِنْهُ حِصَّتُهُ, وَإِذَا أَوْصَى لِلْحَمْلِ بِوَصِيَّةٍ فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ إذَا وُلِدَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ وَقَعَتْ الْوَصِيَّةُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ كَانَ ثَمَّ حَمْلٌ وَلَوْ وَهَبَ لِحَمْلٍ نَخْلَةً أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِصَدَقَةٍ غَيْرِ مَوْقُوفَةٍ لَمْ تَجُزْ بِحَالٍ قَبِلَهَا أَبُوهُ أَوْ رَدَّهَا إنَّمَا تَجُوزُ الْهِبَاتُ, وَالْبُيُوعُ, وَالنِّكَاحُ عَلَى مَا زَايَلَ أُمَّهُ حَتَّى يَكُونَ لَهُ حُكْمٌ بِنَفْسِهِ, وَهَذَا خِلاَفُ الْوَصِيَّةِ فِي الْعِتْقِ, وَلَوْ أَعْتَقَ حَمْلَ جَارِيَتِهِ فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ أَعْتَقَهُ كَانَ حُرًّا لِأَنَّا عَلِمْنَا أَنَّهُ قَدْ كَانَ ثَمَّ حَمْلٌ, وَلَوْ وُلِدَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ ثُمَّ عَتَقَ لِأَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا حَادِثًا بَعْدَ الْكَلاَمِ بِالْعِتْقِ فَلاَ يَكُونُ الْمَقْصُودُ قَصْدَهُ بِالْعِتْقِ, وَلَوْ أَقَرَّ بِحَمْلٍ لِرَجُلٍ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ إذَا كَانَ هُوَ مَالِكُ رَقَبَةِ أُمِّهِ, وَكَذَلِكَ لَوْ وَهَبَهُ لَهُ فَإِذَا لَمْ تَجُزْ فِيهِ الْهِبَةُ لَمْ يَجُزْ فِيهِ الْإِقْرَارُ, وَلَوْ قَالَ مَعَ إقْرَارِهِ: هَذَا الْحَمْلُ لِفُلاَنٍ أَوْصَى لِي رَجُلٌ بِرَقَبَةِ أُمِّهِ, وَلَهُ بِحَمْلِهَا جَازَ الْإِقْرَارُ إذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ تَقَعُ الْوَصِيَّةُ, وَكُلُّ إقْرَارٍ مِنْ صُلْحٍ, وَغَيْرِ صُلْحٍ كَانَ فِيهِ خِيَارٌ مِنْ الْمُقِرِّ فَهُوَ بَاطِلٌ, وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ أُقِرُّ لَك بِكَذَا عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أُصَالِحُك عَلَى كَذَا عَلَى أَنِّي أُقِرُّ لَك بِكَذَا عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أُصَالِحُك عَلَى كَذَا, عَلَى أَنِّي أُقِرُّ لَك بِكَذَا, عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ فَلاَ يَجُوزُ حَتَّى يَقْطَعَ الْإِقْرَارَ, وَلاَ يَدْخُلُ فِيهِ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْمُقِرِّ, وَهَكَذَا كُلُّ إقْرَارٍ كَانَ فِيهِ اسْتِثْنَاءٌ, وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ أَوْ لَك عِنْدِي إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ إنْ شَاءَ فُلاَنٌ فَلاَ يَلْزَمُ حَتَّى يَكُونَ الْإِقْرَارُ مَقْطُوعًا لاَ مَثْنَوِيَّةَ فِيهِ. (قَالَ) وَلَوْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ أَنَّهُ تَكَفَّلَ لَهُ بِمَالٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ, وَأَنْكَرَ الْمَكْفُولُ لَهُ الْخِيَارَ, وَلاَ بَيِّنَةَ بَيْنَهُمَا فَمَنْ جَعَلَ الْإِقْرَارَ وَاحِدًا أَحْلَفَهُ مَا كَفَلَ لَهُ إلَّا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ وَأَبْرَأَهُ, وَالْكَفَالَةُ لاَ تَجُوزُ بِخِيَارٍ, وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُبَعَّضُ عَلَيْهِ إقْرَارُهُ فَيَلْزَمُهُ مَا يَضُرُّهُ, وَيَسْقُطُ عَنْهُ مَا ادَّعَى الْمَخْرَجَ بِهِ أَلْزَمَهُ الْكَفَالَةَ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ الْمَكْفُولُ لَهُ لَقَدْ جَعَلَ لَهُ كَفَالَةً لاَ خِيَارَ فِيهِ, وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ عَلَى الْخِيَارِ لاَ تَجُوزُ, وَإِذَا جَازَتْ بِغَيْرِ خِيَارٍ فَلَيْسَ يَلْزَمُ الْكَافِلُ بِالنَّفْسِ مَالٌ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ مَالاً كَفَلَ بِهِ, وَلاَ تَلْزَمُ الْكَفَالَةُ بِحَدٍّ, وَلاَ قِصَاصٍ, وَلاَ عُقُوبَةٍ, وَلاَ تَلْزَمُ الْكَفَالَةُ إلَّا بِالْأَمْوَالِ. (قَالَ) وَلَوْ كَفَلَ لَهُ بِمَا لَزِمَ رَجُلاً فِي جُرْحٍ, وَقَدْ عَرَفَ الْجُرْحَ, وَالْجُرْحُ عَمْدٌ فَقَالَ أَنَا كَافِلٌ لَك بِمَا لَزِمَهُ فِيهِ مِنْ دِيَةٍ أَوْ قِصَاصٍ فَإِنْ أَرَادَ الْمَجْرُوحُ الْقِصَاصَ فَالْكَفَالَةُ بَاطِلَةٌ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْ الْمُتَكَفِّلِ, وَإِنْ أَرَادَ أَرْشَ الْجِرَاحِ فَهُوَ لَهُ, وَالْكَفَالَةُ لاَزِمَةٌ لِأَنَّهَا كَفَالَةٌ بِمَالٍ وَهَكَذَا إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ دَارًا مِنْ رَجُلٍ فَضَمِنَ لَهُ رَجُلٌ عُهْدَتَهَا وَخَلاَصَهَا فَاسْتُحِقَّتْ الدَّارُ رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى الضَّامِنِ إنْ شَاءَ لِأَنَّهُ ضَمِنَ لَهُ خَلاَصَهَا أَوْ مَالاً, وَالْخَلاَصُ مَالٌ يُسَلَّمُ لَهُ وَإِذَا أَقَرَّ رَجُلٌ لِرَجُلٍ بِشَيْءٍ مُشَاعٍ أَوْ مَقْسُومٍ فَالْإِقْرَارُ جَائِزٌ, وَسَوَاءٌ قَالَ لِفُلاَنٍ نِصْفُ هَذِهِ الدَّارِ مَا بَيْن كَذَا إلَى كَذَا أَوْ لِفُلاَنٍ نِصْفُ هَذِهِ الدَّارِ يَلْزَمُهُ الْإِقْرَارُ كَمَا أَقَرَّ, وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ هَذِهِ الدَّارُ إلَّا نِصْفَهَا كَانَ لَهُ النِّصْفُ, وَلَوْ قَالَ لَهُ هَذِهِ الدَّارُ إلَّا ثُلُثَيْهَا كَانَ لَهُ الثُّلُثُ شَرِيكًا مَعَهُ, وَإِذَا قَالَ لَهُ هَذِهِ الدَّارُ إلَّا هَذَا الْبَيْتَ كَانَتْ لَهُ الدَّارُ إلَّا ذَلِكَ الْبَيْتَ, وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ هَذَا الرَّقِيقُ إلَّا وَاحِدًا كَانَ لَهُ الرَّقِيقُ إلَّا وَاحِدًا فَلَهُ أَنْ يَعْزِلَ أَيَّهُمْ شَاءَ, وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِفُلاَنٍ, وَهَذَا الْبَيْتُ لِي كَانَ مِثْلَ قَوْلِهِ إلَّا هَذَا الْبَيْتَ إذَا كَانَ الْإِقْرَارُ مُتَّصِلاً لِأَنَّ هَذَا كَلاَمٌ صَحِيحٌ لَيْسَ بِمُحَالٍ, وَلَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِفُلاَنٍ بَلْ هِيَ لِفُلاَنٍ كَانَتْ لِلْأَوَّلِ, وَلاَ شَيْءَ لِلثَّانِي, وَلَوْ قَالَ غَصَبْتهَا مِنْ فُلاَنٍ, وَمِلْكُهَا لِفُلاَنٍ غَيْرِهِ فَهِيَ لِلَّذِي أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهَا مِنْهُ, وَهُوَ شَاهِدٌ لِلثَّانِي, وَلاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ, وَلَوْ قَالَ غَصَبْتهَا مِنْ فُلاَنٍ لاَ بَلْ مِنْ فُلاَنٍ جَازَ إقْرَارُهُ لِلْأَوَّلِ, وَلَمْ يَغْرَمْ لِلثَّانِي شَيْئًا, وَكَانَ الثَّانِي خَصْمًا لِلْأَوَّلِ, وَإِذَا أَقَرَّ بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ لِوَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا إذَا كَانَ الْآخَرُ لاَ يَدَّعِي عَلَيْهِ إلَّا هَذِهِ الدَّارَ فَلَيْسَ فِي إقْرَارِهِ لِغَيْرِهِ, وَإِنْ حَكَمَ لَهُ بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ لِوَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا إذَا كَانَ الْآخَرُ لاَ يَدَّعِي عَلَيْهِ إلَّا هَذِهِ الدَّارَ فَلَيْسَ فِي إقْرَارِهِ لِغَيْرِهِ, وَإِنْ حَكَمَ لَهُ بِشَيْءٍ يَكُونُ حَائِلاً دُونَهُ يَضْمَنُهُ, وَإِنَّمَا يَضْمَنُ مَا كَانَ حَائِلاً دُونَهُ, وَلاَ يَجِدُ السَّبِيلَ إلَيْهِ, وَمِثْلُ هَذَا لَوْ قَالَ أَوْدَعَنِيهَا فُلاَنٌ لاَ بَلْ فُلاَنٌ.
(أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا هَلَكَ الرَّجُلُ فَتَرَكَ ابْنَيْنِ, وَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِأَخٍ, وَشَهِدَ عَلَى أَبِيهِ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ ابْنُهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ, وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ الْمِيرَاثِ شَيْءٌ لِأَنَّ إقْرَارَهُ جَمَعَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا لَهُ, وَالْآخَرُ عَلَيْهِ, فَلَمَّا بَطَلَ الَّذِي لَهُ بَطَلَ الَّذِي عَلَيْهِ, وَلَمْ يَكُنْ إقْرَارُهُ لَهُ بِدَيْنٍ, وَلاَ, وَصِيَّةٍ إنَّمَا أَقَرَّ لَهُ بِمَالٍ, وَنَسَبٍ فَإِذَا زَعَمْنَا أَنَّ إقْرَارَهُ فِيهِ يَبْطُلُ لَمْ يَأْخُذْ بِهِ مَالاً كَمَا لَوْ مَاتَ ذَلِكَ الْمُقَرُّ لَهُ لَمْ يَرِثْهُ أَلاَ تَرَى أَنَّ رَجُلاً لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ لِي عَلَيْك مِائَةُ دِينَارٍ فَقَالَ بِعْتنِي بِهَا دَارَك هَذِهِ, وَهِيَ لَك عَلَيَّ فَأَنْكَرَ الرَّجُلُ الْبَيْعَ أَوْ قَالَ بَاعَنِيهَا أَبُوك, وَأَنْتَ وَارِثُهُ فَهِيَ لَك عَلَيَّ, وَلِي الدَّارُ كَانَ إقْرَارُهُ بَاطِلاً لِأَنَّهُ إنَّمَا يُثْبِتُ عَلَى نَفْسِهِ بِمِائَةٍ يَأْخُذُ بِهَا عِوَضًا فَلَمَّا بَطَلَ عَنْهُ الْعِوَضُ بَطَلَ عَنْهُ الْإِقْرَارُ, وَمَا قُلْت مِنْ هَذَا فَهُوَ قَوْلُ الْمَدَنِيِّينَ الْأُوَلِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ رحمه الله تعالى مَا وَرَدَ عَلَيْنَا أَحَدٌ قَطُّ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إلَّا, وَهُوَ يَقُولُ هَذَا: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ رحمه الله تعالى وَأَخْبَرَنِي أَبُو يُوسُفَ رضي الله تعالى عنه أَنَّهُ لَمْ يَلْقَ مَدَنِيًّا قَطُّ إلَّا, وَهُوَ يَقُولُ هَذَا حَتَّى كَانَ حَدِيثًا فَقَالُوا خِلاَفَهُ فَوَجَدْنَا عَلَيْهِمْ حُجَّةً, وَمَا كُنَّا نَجِدُ عَلَيْهِمْ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ حُجَّةً. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَلَسْنَا نَقُولُ بِحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لِأَنَّهُ لاَ يَثْبُتُ, وَإِنَّمَا تَرَكْنَاهُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ} وَالْعُرُوقُ أَرْبَعَةٌ عِرْقَانِ ظَاهِرَانِ وَعِرْقَانِ بَاطِنَانِ فَأَمَّا الْعِرْقَانِ الْبَاطِنَانِ فَالْبِئْرُ وَالْعَيْنُ وَأَمَّا الْعِرْقَانِ الظَّاهِرَانِ فَالْغِرَاسُ وَالْبِنَاءُ فَمَنْ غَرَسَ أَرْضَ رَجُلٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلاَ غَرْسَ لَهُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ}, وَهَذَا عِرْقٌ ظَالِمٌ (وَقَالَ) لاَ يُقْسَمُ نَضْحٌ مَعَ بَعْلٌ, وَلاَ بَعْلٌ مَعَ عَيْنٍ, وَيُقْسَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَا عَلَى حِدَتِهِ (وَقَالَ) لاَ تُضَاعَفُ الْغَرَامَةُ عَلَى أَحَدٍ, وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنَّ مَا أَفْسَدَتْ الْمَوَاشِي بِاللَّيْلِ ضَامِنٌ عَلَى أَهْلِهَا, وَالضَّمَانُ عَلَى أَهْلِهَا بِقِيمَةٍ وَاحِدَةٍ لاَ قِيمَتَيْنِ (وَقَالَ) لاَ يَدْخُلُ الْمُخَنَّثُونَ عَلَى النِّسَاءِ, وَيُنْفَوْنَ (وَقَالَ) الْجَدُّ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ. (قَالَ) وَإِذَا أَبَى الْمُرْتَدُّ التَّوْبَةَ قُتِلَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ}, وَهَذَا مُبَدِّلٌ لِدِينِهِ, وَأَنَّ لَنَا أَنْ نَقْتُلَ مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ, وَامْتَنَعَ مِنْ الْإِجَابَةِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِلاَ تَأَنٍّ, وَهَذَا لاَ يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ عَنْ عُمَرَ, وَلَوْ فَعَلَهُ رَجُلٌ رَجَوْت أَنْ لاَ يَكُونَ بِذَلِكَ بَأْسٌ, يَعْنِي فِي حَدِيثِ عُمَرَ هَلْ كَانَ مِنْ مُغْرِبَةِ خَبَرٍ, وَقَالَ عُمَرُ لَك وَلاَؤُهُ فِي اللَّقِيطِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَأَنَّهُ لاَ وَلاَءَ لَهُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ} وَهَذَا غَيْرُ مُعْتَقٍ, وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَهُوَ حُرٌّ, فَهُوَ كَمَا قَالَ, وَأَمَّا إنْفَاقُهُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَكَذَلِكَ نَقُولُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ إمْلاَءً, قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رضي الله تعالى عنه, قَالَ فِي الرَّجُلِ يَهْلَكُ, وَيَتْرُكُ ابْنَيْنِ, وَيَتْرُكُ سِتَّمِائَةِ دِينَارٍ فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَثَمِائَةِ دِينَارٍ ثُمَّ يَشْهَدُ أَحَدُهُمَا أَنَّ أَبَاهُ الْهَالِكَ أَقَرَّ بِأَنَّ فُلاَنًا ابْنُهُ أَنَّهُ لاَ يُصَدَّقُ عَلَى هَذَا النَّسَبِ, وَلاَ يَلْحَقُ بِهِ, وَلَكِنَّهُ يُصَدَّقُ عَلَى مَا وَرِثَ فَيَأْخُذُ مِنْهُ نِصْفَ مَا فِي يَدَيْهِ, وَكَذَلِكَ قَالَ أَهْل الْمَدِينَةِ إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا نُعْطِيهِ ثُلُثَ مَا فِي يَدَيْهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ) رحمه الله تعالى وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أَنَّ ابْنَ الْمَاجِشُونِ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ, وَجَمَاعَةً مِنْ الْمَدَنِيِّينَ كَانُوا عِنْدَهُمْ بِالْعِرَاقِ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لاَ يَكُونُ لِلَّذِي أَقَرَّ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمِيرَاثِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِنَّهُ لَقَوْلٌ يَصِحُّ, وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّمَا زَعَمَ أَنَّ لَهُ حَقًّا فِي يَدَيْهِ, وَيَدَيْ أَخِيهِ بِمِيرَاثِهِ مِنْ أَبِيهِمَا, وَزَعَمَ أَنَّهُمَا يَرِثَانِهِ كَمَا يَرِثُ أَبَاهُمْ فَإِذَا حَكَمْنَا بِأَنَّ أَصْلَ هَذَا الْإِقْرَارِ لاَ يَثْبُتُ بِهِ نَسَبٌ, وَإِنَّمَا زَعَمْنَا أَنَّهُ يَأْخُذُ بِالنَّسَبِ لاَ بِدَيْنٍ وَلاَ وَصِيَّةٍ, وَلاَ شَيْءٍ اسْتَحَقَّهُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ غَيْرِ النَّسَبِ زَعَمْنَا أَنْ لاَ يَأْخُذَ شَيْئًا, قُلْت لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ كَأَنَّك ذَهَبْت بِهِ إلَى أَنَّهُ قَالَ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَهِيَ لِي عَلَيْك أَوْ هَذِهِ الدَّارَ, وَلَك هَذَا الْعَبْدُ أَوْ الدَّارَ فَأَنْكَرْت, وَحَلَفْت لَمْ يَكُنْ لَك الْعَبْدُ, وَلاَ الدَّارُ فَإِنِّي إنَّمَا أَقْرَرْت لَك بِعَبْدٍ أَوْ دَارٍ, وَفِي إقْرَارِي شَيْءٌ يَثْبُتُ عَلَيْك كَمَا يَثْبُتُ لَك فَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْك مَا ادَّعَيْت لَمْ يَثْبُتْ لَك مَا أَقْرَرْت بِهِ قَالَ إنَّ هَذَا الْوَجْهَ يَقِيسُ النَّاسُ بِمَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ, وَإِنَّهُ لَيَدْخُلُ قُلْت وَكَيْفَ لَمْ تَقُلْ بِهِ؟ قَالَ اخْتَرْنَا مَا قُلْت لِمَا سَمِعْته قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَلاَ يَثْبُتُ نَسَبُ أَحَدٍ بِنِسْبَةِ رَجُلٍ إلَى غَيْرِهِ, وَذَلِكَ أَنَّ الْأَخَ إنَّمَا يُقِرُّ عَلَى أَبِيهِ فَإِذَا كَانَ مَعَهُ مِنْ حَقِّهِ مِنْ أَبِيهِ كَحَقِّهِ فَدَفَعَ النَّسَبَ لَمْ يَثْبُتْ, وَلاَ يَثْبُتُ النَّسَبُ حَتَّى تَجْتَمِعَ الْوَرَثَةُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ مَعًا أَوْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ عَلَى دَعْوَى الْمَيِّتِ الَّذِي إنَّمَا يُلْحِقُ بِنَفْسِهِ فَيُكْتَفَى بِقَوْلِهِ, وَيَثْبُتُ لَهُ النَّسَبُ, وَاحْتُجَّ بِحَدِيثِ ابْنِ أَمَةِ زَمْعَةَ,: {وَقَوْلِ سَعْدٍ كَانَ أَخِي عَهِدَ إلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ, وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ أَخِي, وَابْنُ وَلِيدَةَ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ لَك يَا ابْنَ زَمْعَةَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ}
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى قَالَ وَإِذَا ادَّعَى الْأَعَاجِمُ بِوِلاَدَةِ الشِّرْكِ أُخُوَّةٌ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فَإِنْ كَانُوا جَاءُونَا مُسْلِمِينَ لاَ وَلاَءَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِمْ بِعِتْقٍ قَبِلْنَا دَعْوَاهُمْ كَمَا قَبِلْنَا دَعْوَى غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّذِينَ أَسْلَمُوا فَإِنْ كَانُوا مَسْبِيِّينَ عَلَيْهِمْ, وَرُقُّوا أَوْ عَتَقُوا فَيَثْبُتُ عَلَيْهِمْ وَلاَءٌ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُمْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَثْبُتُ عَلَى وِلاَدٍ وَدَعْوَى مَعْرُوفَةٍ كَانَتْ قَبْلَ السَّبْيِ, وَهَكَذَا مَنْ قَلَّ مِنْهُمْ أَوْ كَثُرَ. أَهْلَ حِصْنٍ كَانُوا أَوْ غَيْرَهُمْ.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى قَالَ مَا كَانَ بِيَدِ مَالِكٍ مَنْ كَانَ الْمَالِكُ مِنْ شَيْءٍ يَمْلِكُ مَا كَانَ الْمَمْلُوكُ فَادَّعَاهُ مَنْ يَمْلِكُ بِحَالٍ فَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي فَإِنْ جَاءَ بِهَا أَخَذَ مَا ادَّعَى, وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا فَعَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الشَّيْءُ فِي يَدَيْهِ الْيَمِينُ بِإِبْطَالِ دَعْوَاهُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِيءَ, وَإِنْ نَكَلَ قِيلَ لِلْمُدَّعِي لاَ نُعْطِيك بِنُكُولِهِ شَيْئًا دُونَ أَنْ تَحْلِفَ عَلَى دَعْوَاك مَعَ نُكُولِهِ فَإِنْ حَلَفْت أَعْطَيْنَاك دَعْوَاك, وَإِنْ أَبَيْت لَمْ نُعْطِك دَعْوَاك, وَسَوَاءٌ ادَّعَاهَا الْمُدَّعِي مِنْ قَبْلِ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ أَنَّهَا خَرَجَتْ إلَيْهِ مِنْهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ أَوْ مِنْ قِبَلِ غَيْرِهِ أَوْ بِاسْتِحْقَاقِ أَصْلٍ أَوْ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ مَا كَانَ, وَسَوَاءٌ كَانَتْ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى أَصْلُ مَعْرِفَةِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يُنْظَرَ إلَى الَّذِي الشَّيْءُ فِي يَدَيْهِ يَدَّعِيهِ هُوَ وَغَيْرُهُ فَيُجْعَلُ الْمُدَّعِيَ الَّذِي نُكَلِّفُهُ الْبَيِّنَةَ, وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ الَّذِي الشَّيْءُ فِي يَدَيْهِ, وَلاَ يُحْتَاجُ إلَى سَبَبٍ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ بِدَعْوَاهُ إلَّا قَوْلَهُ, وَهَكَذَا إنْ ادَّعَى عَلَيْهِ دَيْنًا أَوْ أَيَّ شَيْءٍ مَا كَانَ كُلِّفَ فِيهِ الْبَيِّنَةَ وَدَعْوَاهُ فِي ذِمَّةِ غَيْرِهِ مِثْلُ دَعْوَاهُ شَيْئًا قَائِمًا بِعَيْنِهِ فِي يَدَيْ غَيْرِهِ قَالَ, وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله تعالى عنه. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ أَوْ أَيُّ شَيْءٍ مَا كَانَ لِرَجُلٍ فَادَّعَى أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْ رَجُلٍ, وَأَنْكَرَ الرَّجُلُ فَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ, لِأَنَّهُ مُدَّعٍ فِي ذِمَّةِ الرَّجُلِ وَمَالِهِ شَيْئًا هُوَ لَهُ دُونَهُ, وَالرَّجُلُ يُنْكِرُهُ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ, وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ يَدَّعِي شِرَاءَ الدَّارِ, وَمَالِكُ الدَّارِ يَجْحَدُهُ كَانَ مِثْلَ هَذَا, وَعَلَى مُدَّعِي الشِّرَاءِ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي شَيْئًا هُوَ فِي مِلْكِ صَاحِبِهِ دُونَهُ, وَلاَ يَأْخُذُ بِدَعْوَاهُ دُونَ أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً, وَعَلَى الَّذِي يُنْكِرُ الْبَيْعَ الْيَمِينُ وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله تعالى عنه قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَهَكَذَا لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ دَيْنًا أَوْ غَصْبًا أَوْ شَيْئًا عَلَى رَجُلٍ فَأَنْكَرَ الرَّجُلُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ, وَعَلَى الْمُنْكِرِ الْيَمِينُ, وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ بِدَعْوَاهُ, وَادَّعَى أَنَّهُ قَضَاهُ إيَّاهُ فَفِيهَا قَوْلاَنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الدَّعْوَى لاَزِمَةٌ لَهُ, وَدَعْوَاهُ الْبَرَاءَةَ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ مِنْهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ, وَمَنْ قَالَ هَذَا فَسَوَاءٌ عِنْدَهُ كَانَ دَعْوَاهُ الْبَرَاءَةَ مَوْصُولاً بِإِقْرَارِهِ أَوْ مَقْطُوعًا مِنْهُ, وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ إذَا كَانَ لاَ يُعْلَمُ حَقُّهُ إلَّا بِإِقْرَارِهِ فَوَصَلَ بِإِقْرَارِهِ دَعْوَاهُ الْمَخْرَجَ كَانَ مَقْبُولاً مِنْهُ, وَلاَ يَكُونُ صَادِقًا كَاذِبًا فِي قَوْلٍ وَاحِدٍ, وَلَوْ قَطَعَ دَعْوَاهُ الْمَخْرَجَ مِنْ الْإِقْرَارِ فَلَمْ يَصِلْهَا بِهِ كَانَ مُدَّعِيًا عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ, وَكَانَ الْإِقْرَارُ لَهُ لاَزِمًا, وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ الْآخَرَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ حُجَّتُهُ أَنْ يَقُولَ أَرَأَيْتَ رَجُلاً قَالَ لِرَجُلٍ لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ طَبَرِيَّةٌ أَوْ لَك عِنْدِي عَبْدٌ زِنْجِيٌّ, وَادَّعَى الرَّجُلُ عَلَيْهِ أَلْفًا وَازِنَةً أَوْ أَلْفًا مَثَاقِيلَ أَوْ عَبْدًا بَرْبَرِيًّا أَلَيْسَ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؟ وَسَوَاءٌ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِدَيْنٍ, وَيَزْعُمَ إلَى أَجَلٍ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الدَّيْنُ حَالٌ, وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ إلَى أَجَلٍ, وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ إذَا وَصَلَ دَعْوَاهُ بِإِقْرَارِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى إذَا كَانَ الشَّيْءُ فِي يَدِ اثْنَيْنِ عَبْدًا كَانَ أَوْ دَارًا أَوْ غَيْرَهُ فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلَّهُ فَهُوَ فِي الظَّاهِرِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ, وَيُكَلَّفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا فِي يَدَيْ صَاحِبِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَحْلَفْنَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ فَأَيُّهُمَا حَلَفَ بَرِيءَ, وَأَيُّهُمَا نَكَلَ رَدَدْنَا الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي فَإِنْ حَلَفَ أَخَذَ, وَإِنْ نَكَلَ لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا وَدَعْوَاهُ النِّصْفَ الَّذِي فِي يَدِ صَاحِبِهِ كَدَعْوَاهُ الْكُلَّ لَيْسَ فِي يَدَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ لِأَنَّ مَا فِي يَدِ غَيْرِهِ خَارِجٌ مِنْ يَدَيْهِ, وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى يُقِيمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا فِي يَدَيْ صَاحِبِهِ, وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْيَمِينُ عَلَى صَاحِبِهِ فَأَيُّهُمَا حَلَفَ بَرِيءَ, وَأَيُّهُمَا نَكَلَ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ, وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله تعالى إذَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ قَضَيْنَا عَلَيْهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى إذَا تَدَاعَى الرَّجُلاَنِ الْبَيْعَ فَتَصَادَقَا عَلَيْهِ, وَاخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْتُك بِأَلْفَيْنِ, وَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت مِنْك بِأَلْفٍ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا, وَلاَ بَيِّنَةَ بَيْنَهُمَا تَحَالَفَا مَعًا فَإِنْ حَلَفَا مَعًا فَالسِّلْعَةُ مَرْدُودَةٌ عَلَى الْبَائِعِ, وَأَيُّهُمَا نَكَلَ رَدَدْت الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ, وَإِنْ نَكَلَ الْمُشْتَرِي حَلَفَ الْبَائِعُ لَقَدْ بَاعَهُ بِاَلَّذِي قَالَ ثُمَّ لَزِمَتْهُ الْأَلْفَانِ فَإِنْ حَلَفَ الْبَائِعُ ثُمَّ نَكَلَ الْمُشْتَرِي عَنْ الْيَمِينِ أَخَذَ الْبَائِعُ الْأَلْفَيْنِ لِأَنَّهُ قَدْ اجْتَمَعَ نُكُولُ الْمُشْتَرِي, وَيَمِينُ الْبَائِعِ عَلَى دَعْوَاهُ, وَهَكَذَا إنْ كَانَ النَّاكِلُ هُوَ الْبَائِعُ, وَالْحَالِفُ هُوَ الْمُشْتَرِي كَانَتْ بَيْعًا لَهُ بِالْأَلْفِ, وَلَوْ هَلَكَتْ السِّلْعَةُ تَرَادَّا قِيمَتَهَا إذَا حَلَفَا مَعًا, وَإِذَا كَانَتْ السُّنَّةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا يَتَصَادَقَانِ فِي أَنَّ السِّلْعَةَ مَبِيعَةٌ, وَيَخْتَلِفَانِ فِي الثَّمَنِ, فَإِذَا حَلَفَا تَرَادَّا, وَهُمَا يَتَصَادَقَانِ أَنَّ أَصْلَ الْبَيْعِ كَانَ حَلاَلاً فَلاَ يَخْتَلِفُ الْمُسْلِمُونَ فِيمَا عَلِمْتُ أَنَّ مَا كَانَ مَرْدُودًا لَوْ وُجِدَ بِعَيْنِهِ فِي يَدَيْ مَنْ هُوَ فِي يَدَيْهِ فَفَاتَ أَنَّ عَلَيْهِ قِيمَتَهُ إذَا كَانَ أَصْلُهُ مَضْمُونًا, وَلَوْ جَعَلْنَا الْقَوْلَ قَوْلَ الْمُشْتَرِي إذَا فَاتَتْ السِّلْعَةُ كُنَّا قَدْ فَارَقْنَا السُّنَّةَ, وَمَعْنَى السُّنَّةِ, وَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِرَاقُهُمَا, وَقَدْ صَارَ بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ إلَى أَنْ رَجَعَ إلَى هَذَا الْقَوْلِ فَقَالَ بِهِ, وَخَالَفَ صَاحِبَهُ فِيهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَلَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى دَعْوَاهُ أَعْطَيْنَاهُ بِبَيِّنَتِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ نَكَحَ امْرَأَةً لَمْ أَقْبَلْ دَعْوَاهُ حَتَّى يَقُولَ نَكَحْتهَا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ, وَرِضَاهَا فَإِذَا قَالَ هَذَا, وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ أَحَلَفْنَاهَا, فَإِنْ حَلَفَتْ لَمْ أَقْضِ لَهُ بِهَا, وَإِنْ نَكَلَتْ لَمْ أَقْضِ لَهُ بِهَا بِالنُّكُولِ حَتَّى يَحْلِفَ, فَإِذَا حَلَفَ قَضَيْتُ لَهُ بِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ, وَأُحَلِّفُ فِي النِّكَاحِ, وَالطَّلاَقِ, وَكُلِّ دَعْوَى, وَذَلِكَ أَنِّي وَجَدْتُ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ثُمَّ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَضَى أَنْ يُحَلَّفَ الزَّوْجُ الْقَاذِفُ, وَتُحَلَّفَ الزَّوْجَةُ الْمَقْذُوفَةُ ثُمَّ دَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ عَنْ الزَّوْجِ, وَقَدْ لَزِمَهُ لَوْلاَ الْيَمِينُ, وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ عَنْ الْمَرْأَةِ بِالْيَمِينِ, وَالسُّنَّةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفُرْقَةَ بَيْنَهُمَا, وَعَلَى نَفْيِ الْوَلَدِ فَالْحَدُّ قَتْلٌ, وَنَفْيُ الْوَلَدِ نَسَبٌ فَالْحَدُّ عَلَى الرَّجُلِ يَمِينٌ فَوَجَدْتُ هَذَا الْحُكْمَ جَامِعًا لاََنْ تَكُونَ الْأَيْمَانُ مُسْتَعْمَلَةً فِيمَا لَهَا فِيهِ حُكْمٌ, وَوَجَدْت النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الْأَنْصَارَ أَنْ يَحْلِفُوا, وَيَسْتَحِقُّوا دَمَ صَاحِبِهِمْ فَأَبَوْا الْأَيْمَانَ فَعَرَضَ عَلَيْهِمْ أَيْمَانَ يَهُودَ فَلاَ أَعْرِفُ حُكْمًا فِي الدُّنْيَا أَعْظَمَ مِنْ حُكْمِ الْقَتْلِ, وَالْحَدِّ, وَالطَّلاَقِ, وَلاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْأَيْمَانِ فِي الْأَمْوَالِ, وَوَجَدْت النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: {وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ} فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مُدَّعَى عَلَيْهِ دُونَ مُدَّعَى عَلَيْهِ إلَّا بِخَبَرٍ لاَزِمٍ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا بَلْ الْأَخْبَارُ اللَّازِمَةُ تَجْمَعُ بَيْنَهُمَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى, وَهَكَذَا لَوْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ الْمَرْأَةُ النِّكَاحَ وَجَحَدَ كُلِّفَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ لَمْ تَأْتِ بِهَا أُحْلِفَ فَإِنْ حَلَفَ بَرِيءَ, وَإِنْ نَكَلَ رَدَدْت الْيَمِينَ عَلَى الْمَرْأَةِ, وَقُلْتُ لَهَا احْلِفِي فَإِنْ حَلَفَتْ أَلْزَمْته النِّكَاحَ, وَهَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ ادَّعَاهُ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ مِنْ طَلاَقٍ, وَقَذْفٍ, وَمَالٍ, وَقِصَاصٍ, وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الدَّعْوَى قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ امْرَأَتَهُ خَالَعَتْهُ بِعَبْدٍ أَوْ دَارٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ, وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ كُلِّفَ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ جَاءَ بِهَا أَلْزَمْته الْخُلْعَ, وَأَلْزَمْتُهَا مَا اخْتَلَعَتْ بِهِ, وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا أَحَلَفْتهَا فَإِنْ حَلَفَتْ بَرِئَتْ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا مَا ادَّعَى, وَلَزِمَهُ الطَّلاَقُ, وَكَانَ لاَ يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ يُقِرُّ بِطَلاَقٍ لاَ يَمْلِكُ فِيهِ رَجْعَةً, وَيَدَّعِي مَظْلَمَةٌ فِي الْمَالِ فَإِنْ نَكَلَتْ عَنْ الْيَمِينِ رَدَدْت الْيَمِينَ عَلَى الزَّوْجِ فَإِنْ حَلَفَ أَخَذَ مَا ادَّعَى أَنَّهَا خَالَعَتْهُ عَلَيْهِ, وَإِنْ نَكَلَ لَمْ أُعْطِهِ بِدَعْوَاهُ شَيْئًا, وَلاَ بِنُكُولِهَا حَتَّى يَجْتَمِعَ مَعَ نُكُولِهَا يَمِينُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا ادَّعَى الْعَبْدُ عَلَى مَالِكِهِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ أَوْ كَاتَبَهُ, وَأَنْكَرَ ذَلِكَ مَالِكُهُ فَعَلَى الْعَبْدِ الْبَيِّنَةُ فَإِنْ جَاءَ بِهَا أَنْفَذْتُ لَهُ مَا شَهِدَ لَهُ بِهِ مِنْ عِتْقٍ أَوْ كِتَابَةٍ, وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا أَحَلَفْت لَهُ مَوْلاَهُ فَإِنْ حَلَفَ أَبْطَلْت دَعْوَى الْعَبْدِ, وَإِنْ نَكَلَ الْمَوْلَى عَنْ الْيَمِينِ لَمْ أُثْبِتْ دَعْوَى الْعَبْدِ إلَّا بِأَنْ يَحْلِفَ الْعَبْدُ فَإِنْ حَلَفَ أُثْبِتُ دَعْوَاهُ فَإِنْ ادَّعَى الْعَبْدُ التَّدْبِيرَ فَهُوَ فِي قَوْلِ مَنْ لاَ يَبِيعُ الْمُدَبَّرَ هَكَذَا, وَفِي قَوْلِ مَنْ يَبِيعُ الْمُدَبَّرَ هَكَذَا إلَّا أَنَّهُ يُقَالُ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ لاَ يَصْنَعُ الْيَمِينُ شَيْئًا, وَقُلْ قَدْ رَجَعْت فِي التَّدْبِيرِ, وَيَكُونُ التَّدْبِيرُ مَرْدُودًا, وَلَوْ أَنَّ مَالِكَ الْعَبْدِ قَالَ قَدْ أَعْتَقْتُكَ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَنْكَرَ الْعَبْدُ الْمَالَ, وَادَّعَى الْعِتْقَ أَوْ أَنْكَرَ الْمَالَ وَالْعِتْقَ كَانَ الْمَالِكُ الْمُدَّعِيَ فَإِنْ أَقَامَ السَّيِّدُ الْبَيِّنَةَ أُخِذَ الْعَبْدُ بِالْمَالِ, وَإِنْ لَمْ يُقِمْهَا أُحَلِّفُ لَهُ الْعَبْدَ فَإِنْ حَلَفَ بَرِيءَ مِنْ الْمَالِ, وَكَانَ حُرًّا فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْمَوْلَى يُقِرُّ بِعِتْقِهِ فِيهِمَا فَإِنْ نَكَلَ الْعَبْدُ عَنْ الْيَمِينِ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ شَيْءٌ حَتَّى يَحْلِفَ مَوْلاَهُ فَإِنْ حَلَفَ ثَبَتَ الْمَالُ عَلَى الْعَبْدِ, وَإِنْ نَكَلَ السَّيِّدُ عَنْ الْيَمِينِ فَلاَ مَالَ عَلَى الْعَبْدِ, وَالْعِتْقُ مَاضٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَلَوْ تَعَلَّقَ رَجُلٌ بِرَجُلٍ فَقَالَ أَنْتَ عَبْدٌ لِي, وَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَلْ أَنَا حُرُّ الْأَصْلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فَأَصْلُ النَّاسِ الْحُرِّيَّةُ حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ أَوْ يُقِرَّ بِرِقٍّ, وَكُلِّفَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ فَإِنْ جَاءَ بِهَا كَانَ الْعَبْدُ رَقِيقًا, وَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ لَهُ بِالرِّقِّ كَانَ رَقِيقًا لَهُ, وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِالْبَيِّنَةِ أُحَلِّفُ لَهُ الْعَبْدَ فَإِنْ حَلَفَ كَانَ حُرًّا, وَإِنْ نَكَلَ لَمْ يَلْزَمْهُ الرِّقُّ حَتَّى يَحْلِفَ الْمُدَّعِي عَلَى رِقِّهِ فَيَكُونُ رَقِيقًا لَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَهَكَذَا الْأَمَةُ مِثْلُ الْعَبْدِ سَوَاءٌ, وَهَكَذَا كُلُّ مَا يُمْلَكُ إلَّا فِي مَعْنًى وَاحِدٍ فَإِنَّ رَجُلاً أَوْ امْرَأَةً لَوْ كَانَا مَعْرُوفَيْنِ بِالْحُرِّيَّةِ فَأَقَرَّا بِالرِّقِّ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِمَا الرِّقُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا ادَّعَى الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ دَمًا أَوْ جِرَاحًا دُونَ الدَّمِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَسَوَاءٌ, وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ فَإِنْ جَاءَ بِهَا قُضِيَ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا, وَلاَ بِمَا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ فِي الدَّمِ دُونَ الْجِرَاحِ أُحْلِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ بَرِيءَ, وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَمْ أُلْزِمْهُ بِالنُّكُولِ شَيْئًا حَتَّى يَحْلِفَ الْمُدَّعِي فَإِنْ حَلَفَ أَلْزَمْتُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَمِيعَ مَا ادَّعَى عَلَيْهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَأَيْمَانُ الدِّمَاءِ مُخَالِفَةٌ جَمِيعَ الْأَيْمَانِ الدَّمُ لاَ يُبْرَأُ مِنْهُ إلَّا بِخَمْسِينَ يَمِينًا, وَمَا سِوَاهُ يُسْتَحَقُّ, وَيُبْرَأُ مِنْهُ بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ إلَّا اللِّعَانُ فَإِنَّهُ بِأَرْبَعَةِ أَيْمَانٍ, وَالْخَامِسَةُ الْتِعَانُهُ, وَسَوَاءٌ النَّفْسُ, وَالْجُرْحُ فِي هَذَا يَقْبَلُهُ بِاَلَّذِي نَقَصَهُ بِهِ مِنْ نُكُولِهِ عَنْ الْيَمِينِ, وَيَمِينِ صَاحِبِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي هَذَا فَزَعَمَ أَنَّ كُلَّ مَنْ ادَّعَى جُرْحًا أَوْ فَقَأَ عَيْنَيْنِ أَوْ قَطَعَ يَدَيْنِ, وَمَا دُونَ النَّفْسِ أُحْلِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ نَكَلَ اُقْتُصَّ مِنْهُ فَفَقَأَ عَيْنَيْهِ, وَقَطَعَ يَدَيْهِ, وَاقْتُصَّ مِنْهُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ, وَهَكَذَا كُلُّ دَعْوَى عِنْدَهُ سَوَاءٌ, وَزَعَمَ أَنَّ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ} دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا حَلَفَ بَرِيءَ فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَتْهُ الدَّعْوَى ثُمَّ عَادَ لِمَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَقَضَهُ فِي النَّفْسِ فَقَالَ إنْ ادَّعَى عَلَيْهِ قَتْلَ النَّفْسِ فَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ اسْتَعْظَمْت أَنْ أَقْتُلَهُ, وَحَبَسْته حَتَّى يُقِرَّ فَأَقْتُلَهُ أَوْ يَحْلِفَ فَأُبْرِئَهُ قَالَ مِثْلُ هَذَا فِي الْمَرْأَةِ يَلْتَعِنُ زَوْجُهَا وَتَنْكُلُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَلاَ أَعْلَمُهُ إلَّا خَالَفَ فِي هَذَا مَا زَعَمَ أَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ نُحِقَّهُ, وَلَمْ نُبْطِلْهُ كَانَ يَنْبَغِي إذَا فَرَّقَ بَيْنَ النَّفْسِ, وَمَا دُونَهَا مِنْ الْجِرَاحِ أَنْ يَقُولَ لاَ أَحْبِسُهُ إذَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ, وَلاَ أَجْعَلُ عَلَيْهِ شَيْئًا إذَا كَانَ لاَ يَرَى النُّكُولَ حُكْمًا, وَهُوَ عَلَى الِابْتِدَاءِ لاَ يَحْبِسُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَإِنْ كَانَ لِلنُّكُولِ عِنْدَهُ حُكْمٌ فَقَدْ خَالَفَهُ لِأَنَّ النُّكُولَ عِنْدَهُ يَلْزَمُهُ مَا نَكَلَ عَنْهُ, وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلنُّكُولِ حُكْمٌ فِي النَّفْسِ فَقَدْ ظَلَمَهُ بِحَبْسِهِ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّ أَحَدًا لاَ يُحْبَسُ أَبَدًا بِدَعْوَى صَاحِبِهِ, وَخَالَفَهُ صَاحِبُهُ, وَفَرَّ مِنْ قَوْلِهِ فَأَحْدَثَ قَوْلاً ثَانِيًا مُحَالاً كَقَوْلِ صَاحِبِهِ فَقَالَ مَا عَلَيْهِ حَبْسٌ, وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْسِلَ, وَاسْتَعْظَمَ الدَّمَ, وَلَكِنْ أَجْعَلُ عَلَيْهِ الدِّيَةَ فَجَعَلَ عَلَيْهِ دِيَةً فِي الْعَمْدِ, وَهُوَ لاَ يَجْعَلُ فِي الْعَمْدِ دِيَةً أَبَدًا, وَخَالَفَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَنَّهُ يُخَيِّرُ وَلِيَّ الدَّمِ فِي الْقِصَاصِ أَوْ الدِّيَةِ ثُمَّ يَقُولُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا الْقِصَاصُ إلَّا أَنْ يَصْطَلِحَا فَأَخَذَ لِوَلِيِّ الدَّمِ مَا لاَ يَدَّعِي, وَأَخَذَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا لاَ يُقِرُّ بِهِ, وَأَحْدَثَ لَهُمَا مِنْ نَفْسِهِ حُكْمًا مُحَالاً لاَ خَبَرًا, وَلاَ قِيَاسًا, وَإِذَا كَانَ يَأْخُذُ دِمَاءَ النَّاسِ فِي مَوْضِعٍ بِشَاهِدَيْنِ حَتَّى يَقْتُلَ النَّفْسَ, وَأَكْثَرُ مَا نَأْخُذُ بِهِ مُوضِحَةٌ مِنْ شَاهِدَيْنِ أَوْ إقْرَارٍ فَمَا فَرَّقَ بَيْنَ الدَّمِ وَالْمُوضِحَةِ, وَمَا هُوَ أَصْغَرُ مِنْهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ كَفَالَةً بِنَفْسٍ أَوْ مَالٍ فَجَحَدَ الْآخَرُ فَإِنَّ عَلَى الْمُدَّعِي الْكَفَالَةَ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَعَلَى الْمُنْكِرِ الْيَمِينُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِيءَ, وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي فَإِنْ حَلَفَ لَزِمَهُ مَا ادَّعَى عَلَيْهِ, وَإِنْ نَكَلَ سَقَطَ عَنْهُ غَيْرُ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ ضَعِيفَةٌ, وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى مُدَّعِي الْكَفَالَةِ الْبَيِّنَةُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَعَلَى الْمُنْكِرِ الْيَمِينُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِيءَ, وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَتْهُ الْكَفَالَةُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَكُرَاهُ بَيْتًا مِنْ دَارٍ شَهْرًا بِعَشَرَةٍ, وَادَّعَى الْمُكْتَرِي أَنَّهُ اكْتَرَى الدَّارَ كُلَّهَا ذَلِكَ الشَّهْرَ بِعَشَرَةٍ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ عَلَى صَاحِبِهِ, وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدِ مِنْهُمَا الْيَمِينُ عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ فَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى دَعْوَاهُ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ, وَيَتَحَالَفَانِ, وَيَتَرَادَّانِ, وَإِنْ كَانَ سَكَنَ الدَّارَ أَوْ بَيْتًا مِنْهَا فَعَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِهَا بِقَدْرِ مَا سَكَنَ, وَهَكَذَا لَوْ أَنَّهُ ادَّعَى أَنَّهُ اكْتَرَى مِنْهُ دَابَّةً إلَى مَكَّةَ بِعَشَرَةٍ, وَادَّعَى رَبُّ الدَّابَّةِ أَنَّهُ أَكْرَاهُ إيَّاهَا إلَى أَيْلَةَ بِعَشَرَةٍ كَانَ الْجَوَابُ فِيهَا كَالْجَوَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا, وَلَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً, وَلَمْ يُقِمْ الْآخَرُ أَجَزْت بَيِّنَةَ الَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ, وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا تَدَاعَى الرَّجُلاَنِ الدَّارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُولُ هِيَ لِي فِي يَدَيْ, وَأَقَامَا مَعًا عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً جَعَلْتهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ مِنْ قِبَلِ أَنَّا إنْ قَبِلْنَا الْبَيِّنَةَ قَبِلْنَا بَيِّنَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا فِي يَدِهِ, وَأَلْغَيْنَاهَا عَمَّا فِي يَدَيْ صَاحِبِهِ فَأَسْقَطْنَاهَا, وَجَعَلْنَاهَا كَدَارٍ فِي يَدَيْ رَجُلَيْنِ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلَّهَا فَيُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنِصْفِهَا, وَنُحَلِّفُهُ إذَا أَلْغَيْنَا الْبَيِّنَةَ عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَادَّعَاهُ آخَرُ, وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدَيْهِ أَمْسِ فَإِنَّهُ لاَ تُقْبَلُ مِنْهُ الْبَيِّنَةُ عَلَى هَذَا لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي يَدَيْهِ مَا لَيْسَ لَهُ, وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ أَخَذَهُ هَذَا مِنْهُ أَوْ انْتَزَعَ مِنْهُ الْعَبْدَ أَوْ اغْتَصَبَهُ مِنْهُ أَوْ غَلَبَهُ عَلَى الْعَبْدِ, وَأَخَذَهُ مِنْهُ أَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ أَرْسَلَهُ فِي حَاجَتِهِ فَاعْتَرَضَهُ هَذَا مِنْ الطَّرِيقِ فَذَهَبَ بِهِ أَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ أَبَقَ مِنْ هَذَا فَأَخَذَهُ هَذَا فَإِنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ جَائِزَةٌ, وَيُقْضَى لَهُ بِالْعَبْدِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَعَلَى الَّذِي فِي يَدَيْهِ الْعَبْدِ الْيَمِينُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِيءَ, وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي فَإِنْ حَلَفَ أَخَذَ مَا ادَّعَى, وَإِنْ نَكَلَ سَقَطَ دَعْوَاهُ, وَإِنَّمَا أُحَلِّفُهُ عَلَى مَا ادَّعَى صَاحِبُهُ. (قَالَ أَبُو يَعْقُوبَ) رحمه الله تعالى تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ, وَيُتْرَكُ فِي يَدَيْهِ كَمَا كَانَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ, وَغَيْرُهَا مِنْ الْمَالِ فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَادَّعَاهُ رَجُلٌ أَوْ بَعْضَهُ فَقَالَ الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ لَيْسَ هَذَا بِمِلْكٍ لِي, وَهُوَ مِلْكٌ لِفُلاَنٍ, وَلَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ فُلاَنٌ حَاضِرًا صَيَّرَ لَهُ, وَكَانَ خَصْمًا عَنْ نَفْسِهِ, وَإِنْ كَانَ فُلاَنٌ غَائِبًا كَتَبَ إقْرَارَهُ لَهُ, وَقِيلَ لِهَذَا الْمُدَّعِي أَقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى دَعْوَاك, وَلِلَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ ادْفَعْ عَنْهُ فَإِنْ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ قُضِيَ لَهُ بِهِ عَلَى الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ, وَكَتَبَ فِي الْقَضَاءِ إنِّي إنَّمَا قَبِلْتُ بَيِّنَةَ فُلاَنٍ الْمُدَّعِي بَعْدَ إقْرَارِ فُلاَنٍ الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ بِأَنَّ هَذِهِ الدَّارَ لِفُلاَنٍ, وَلَمْ يَكُنْ فُلاَنٌ الْمُقَرُّ لَهُ, وَلاَ وَكِيلٌ لَهُ حَاضِرًا فَقَالَتْ الْبَيِّنَةُ لِفُلاَنٍ الْمُدَّعِي هَذِهِ الدَّارَ عَلَى مَا حَكَيْت فِي كِتَابِي, وَيَحْكِي شَهَادَةَ الشُّهُودِ, وَقَضَيْت لَهُ بِهَا عَلَى فُلاَنٍ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ, وَجَعَلْت فُلاَنًا الْمُقَرَّ لَهُ بِهَا عَلَى حُجَّتِهِ يَسْتَأْنِفُهَا فَإِذَا حَضَرَ أَوْ وَكِيلٌ لَهُ اسْتَأْنَفَ الْحُكْمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَقْضِيِّ لَهُ, وَإِنْ أَقَامَ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لِفُلاَنٍ الْغَائِبِ أَوْدَعَهُ إيَّاهَا أَوْ أَكْرَاهُ إيَّاهَا فَمَنْ قَضَى عَلَى الْغَائِبِ سَمِعَ بَيِّنَتَهُ, وَقَضَى لَهُ, وَأُحَلِّفُهُ لِغَيْبَةِ صَاحِبِهِ أَنَّ مَا شَهِدَ بِهِ شُهُودُهُ لَحَقٌّ, وَمَا خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ, وَكَتَبَ لَهُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ إنِّي سَمِعْتُ بَيِّنَتَهُ, وَيَمِينَهُ, وَفُلاَنٌ الَّذِي ذَكَرَ أَنَّ لَهُ الدَّارَ غَائِبٌ لَمْ يَحْضُرْ, وَلاَ وَكِيلٌ لَهُ فَإِذَا حَضَرَ جَعَلَهُ خَصْمًا, وَسَمِعَ بَيِّنَتَهُ إنْ كَانَتْ, وَأَعْلَمَهُ الْبَيِّنَةَ الَّتِي شَهِدَتْ عَلَيْهِ فَإِنْ جَاءَ بِحَقٍّ أَحَقَّ مِنْ حَقِّ الْمَقْضِيِّ لَهُ قَضَى لَهُ بِهِ, وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ أَنْفَذَ عَلَيْهِ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ, وَإِنْ سَأَلَ الْمَحْكُومُ لَهُ الْأَوَّلُ الْقَاضِيَ أَنْ يُجَدِّدَ لَهُ كِتَابًا بِالْحُكْمِ الثَّانِي عِنْدَ حَضْرَةِ الْخَصْمِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ فَيَحْكِيَ مَا قَضَى بِهِ أَوَّلاً حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَحْكِيَ أَنَّ فُلاَنًا حَضَرَ, وَأَعَدْت عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ, وَسَمِعْت مِنْ حُجَّتِهِ وَبَيِّنَتِهِ ثُمَّ يَحْكِيهَا ثُمَّ يَحْكِي أَنَّهُ لَمْ يَرَ لَهُ فِيهَا شَيْئًا, وَأَنَّهُ أَنْفَذَ عَلَيْهِ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ, وَقَطَعَ حُجَّتَهُ بِالْحُكْمِ الْآخَرِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَلَيْسَ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ إلَّا وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ إمَّا لاَ يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ بِدَيْنٍ, وَلاَ غَيْرِهِ, وَإِمَّا يُقْضَى عَلَيْهِ فِي الدَّيْنِ وَغَيْرِهِ, وَنَحْنُ نَرَى الْقَضَاءَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْأَعْذَارِ, وَقَدْ كَتَبْنَا الْأَعْذَارَ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا, وَسَوَاءٌ كَانَ إقْرَارُ الَّذِي الدَّارُ فِي يَدَيْهِ قَبْلَ شَهَادَةِ الشُّهُودِ أَوْ بَعْدَهَا, وَسَوَاءٌ هَذَا فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهَا لَهُ آجَرَهَا إيَّاهُ, وَادَّعَى آخَرُ أَنَّهَا لَهُ, وَأَنَّهُ أَوْدَعَهَا إيَّاهُ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ, وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةُ فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَةً فَإِنَّهُ يَقْضِي بِهَا نِصْفَيْنِ, وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه. (قَالَ الرَّبِيعُ) حِفْظِي عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الشَّهَادَتَيْنِ بَاطِلَتَانِ, وَهُوَ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) رحمه الله تعالى: وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ أَوْ الْعَبْدُ فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ غَصَبَهُ إيَّاهُ فِي وَقْتٍ وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ, وَادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ وَدِيعَةٌ لَهُ فِي وَقْتٍ بَعْدَ الْغَصْبِ, وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَإِنَّهُ يَقْضِي بِهِ لِصَاحِبِ الْغَصْبِ, وَلاَ يَقْضِي لِصَاحِبِ الْإِقْرَارِ بِشَيْءٍ, وَلاَ يَجُوزُ إقْرَارُهُ فِيمَا غَصَبَ مِنْ هَذَا وَصَاحِبُ الْغَصْبِ هُوَ الْمُدَّعِي, وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا, وَأَمَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ, وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ, وَهُمَا فِي يَدَيْ الْبَائِعِ فَقَالَ الْبَائِعُ إنَّمَا بِعْتُك الْعَبْدَ وَحْدَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ, وَيُتَفَاسَخَانِ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا كَانَتْ دَارٌ فِي يَدِ رَجُلٍ فَادَّعَاهَا رَجُلاَنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهَا لَهُ مِنْ وَقْتِ كَذَا إلَى وَقْتِ كَذَا, وَأَنَّهُ وَرِثَهَا عَنْ أَبِيهِ فِي وَقْتِ كَذَا حَتَّى يُحِيطَ الْعِلْمَ أَنَّ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ كَاذِبَةٌ بِغَيْرِ عَيْنِهَا فَهَذَا مِثْلُ الشَّهَادَةِ عَلَى النِّتَاجِ فَمَنْ زَعَمَ فِي النِّتَاجِ أَنَّهُ يُبْطِلُ الْبَيِّنَتَيْنِ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا كَاذِبَةٌ بِالْإِحَاطَةِ, وَلاَ نَعْرِفُهَا, وَيَجْعَلُ النِّتَاجَ لِلَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ لِإِبْطَالِ الْبَيِّنَةِ أَبْطَلَ هَاتَيْنِ الْبَيِّنَتَيْنِ, وَأَقَرَّ الدَّارَ فِي يَدَيْ صَاحِبِهَا, وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَحِقُّ الْبَيِّنَةُ الَّتِي مَعَهَا السَّبَبُ الْأَقْوَى فَيُجْعَلُ كَيْنُونَةَ النِّتَاجِ فِي يَدَيْ صَاحِبِهَا بِسَبَبٍ أَقْوَى فَفِي هَذَا قَوْلاَنِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ, وَالْآخَرُ أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُمَا فَأَيُّهُمَا خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لَهُ كَانَتْ لَهُ كُلُّهَا, وَلَوْ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ شَهِدَتْ عَلَى وَقْتَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُمَا أَوْ تَكُونَ الدَّارُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ فِي هَذَا أَنْ تَكُونَ الْبَيِّنَتَانِ صَادِقَتَيْنِ, وَكُلُّ مَا أَمْكَنَ أَنْ تَكُونَ الْبَيِّنَتَانِ صَادِقَتَيْنِ فِيهِ مِمَّا لَيْسَ فِي يَدَيْ الْمُدَّعِيَيْنِ هَكَذَا, وَكُلُّ مَا لَمْ يُمْكِنْ إلَّا أَنْ تَكُونَ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ كَاذِبَةً فَكَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى, وَسَوَاءٌ هَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ ادَّعَى, وَبِأَيِّ مِلْكٍ ادَّعَى الْمِيرَاثَ, وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا كَانَتْ أَمَةٌ فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَادَّعَاهَا رَجُلٌ أَنَّهَا كَانَتْ لِأَبِيهِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ, وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لاَ يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ, وَأَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ أَبِي هَذَا, وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِهَا لِلْمُشْتَرِي, وَشَهَادَةُ الشِّرَاءِ تَنْقُضُ شَهَادَةَ الْمِيرَاثِ, وَهَكَذَا لَوْ شَهِدُوا عَلَى صَدَقَةٍ مَقْبُوضَةٍ مِنْ الْمَيِّتِ فِي صِحَّتِهِ أَوْ هِبَةٍ أَوْ نَحْلٍ أَوْ بِعَطِيَّةٍ أَوْ عُمْرَى مِنْ قِبَلِ أَنَّ شُهُودَ الْمِيرَاثِ قَدْ يَكُونُونَ صَادِقِينَ عَلَى الظَّاهِرِ أَنْ يَعْلَمُوا الْمَيِّتَ مَالِكًا, وَلاَ يَعْلَمُونَهَا خَرَجَتْ مِنْ يَدَيْهِ فَيَسَعُهُمْ عَلَى هَذَا الشَّهَادَةُ, وَلَوْ تَوَقَّوْا فَشَهِدُوا أَنَّهَا مِلْكٌ لَهُ, وَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَهَا خَرَجَتْ مِنْ يَدَيْهِ حَتَّى مَاتَ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ, وَإِنْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ فِيهِ عَلَى الْبَتِّ فَهِيَ عَلَى الْعِلْمِ, وَلَيْسَ هَؤُلاَءِ يُخَالِفُونَ شُهُودَ الشِّرَاءِ, وَلاَ الصَّدَقَةِ, وَشُهُودُ الشِّرَاءِ, وَالصَّدَقَةِ يَشْهَدُونَ عَلَى أَنَّ الْمَيِّتَ أَخْرَجَهَا فِي حَيَاتِهِ إلَى هَذَا فَلَيْسَ بَيْنَهُمْ اخْتِلاَفٌ إلَّا أَنَّهُ خَفِيَ عَلَى هَؤُلاَءِ مَا عَلِمَ هَؤُلاَءِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا كَانَتْ دَارٌ أَوْ أَرْضٌ أَوْ بُسْتَانٌ أَوْ قَرْيَةٌ فِي يَدَيْ رَجُلٍ, وَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهَا لَهُ, وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا لِأَبِيهِ وَلَمْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ مَاتَ, وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا فَإِنَّهُ لاَ يَقْضِي لَهُ, وَلاَ تَنْفُذُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ إلَّا أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهَا لَمْ تَزَلْ لِأَبِيهِ حَتَّى مَاتَ, وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا أَنَّهُ تَرَكَهَا مِيرَاثًا, وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدُوا أَنَّهَا كَانَتْ لِجَدِّهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَأَقَامَ رَجُلٌ شَاهِدَيْنِ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ, وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا فَأَقَامَ آخَرُ شَاهِدَيْنِ أَنَّ أَبَ هَذَا الْمُدَّعِي تَزَوَّجَ عَلَيْهَا أُمَّ هَذَا وَأَنَّ أُمَّهُ فُلاَنَةَ مَاتَتْ, وَتَرَكَتْهَا مِيرَاثًا فَإِنَّهُ يَقْضِي بِهَا لِابْنِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ خَرَجَ مِنْهَا حَيْثُ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا, وَهَذَا مِثْلُ خُرُوجِهِ مِنْهَا بِالْبَيْعِ, وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي مِلْكِ الْأَمْوَالِ كُلِّهَا مَعَ شَهَادَةِ الرِّجَالِ جَائِزَةٌ, وَلاَ تَجُوزُ عَلَى أَنَّ فُلاَنًا مَاتَ, وَتَرَكَ فُلاَنًا وَفُلاَنًا لاَ وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُمَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ هَذَا يَثْبُتُ نَسَبًا, وَشَهَادَتُهُنَّ لاَ تَجُوزُ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ مَحْضَةً, وَمَا لاَ يَرَاهُ الرِّجَالُ مِنْ أَمْرِ النِّسَاءِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا شَهِدَ رَجُلاَنِ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ فَقَدْ رَأَيْتُ كَثِيرًا مِنْ الْحُكَّامِ وَالْمُفْتِينَ يُجِيزُهُ فَمَنْ أَجَازَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ حُجَّتِهِ أَنْ يَقُولَ لَيْسَا بِشَاهِدَيْنِ عَلَى شَهَادَةِ أَنْفُسِهِمَا, وَإِنَّمَا يَشْهَدَانِ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ فَهُمَا رَجُلاَنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى رَجُلٍ وَرَجُلٍ, وَأَدَلُّ مِنْ هَذَا عَلَى امْرِئٍ كَأَنَّهُ يُشْبِهُ أَنْ يَجُوزَ أَنْ يَقُولَ رَجُلٌ أَلاَ تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَنَّ هَذَا الْمَمْلُوكَ لِهَذَا الرَّجُلِ بِعَيْنِهِ, وَشَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ آخَرَيْنِ أَنَّ هَذَا الْمَمْلُوكَ بِعَيْنِهِ لِآخَرَ غَيْرِهِ لَمْ يَكُونَا شَاهِدَيْ زُورٍ, وَإِنَّمَا أَدَّيَا قَوْلَ غَيْرِهِمَا, وَلَوْ كَانَا شَاهِدَيْنِ عَلَى الْأَصْلِ كَانَا شَاهِدَيْ زُورٍ, وَقَدْ سَمِعْتُ مَنْ يَقُولُ لاَ أَقْبَلُ عَلَى رَجُلٍ إلَّا شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ, وَعَلَى آخَرَ شَهَادَةَ آخَرَيْنِ غَيْرِهِمَا, وَمَنْ قَالَ هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ حُجَّتِهِ أَنْ يَقُولَ أَنَا أُقِيمُهُمَا مَقَامَ الشَّاهِدِ نَفْسِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ حُكْمِهِ فَهُوَ لَوْ شَهِدَ مَرَّتَيْنِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ لَمْ يَكُنْ إلَّا مَرَّةً فَكَذَلِكَ إذَا شَهِدَا هُمَا عَلَى الْآخَرِ لَمْ يَكُنْ إلَّا مَرَّةً فَلاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهَا, وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ مَنْ قَالَ هَذَا أَنَّهُمَا إنَّمَا كَانَا غَيْرَ مَجْرُوحَيْنِ فِي شَهَادَتِهِمَا عَلَى أَرْبَعَةٍ مُخْتَلِفِينَ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَشْهَدَا عَلَى الْعِيَانِ, وَهُمَا لاَ يَقُومَانِ إلَّا مَقَامَ مَنْ شَهِدَا عَلَى شَهَادَتِهِ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَقُومَ اثْنَانِ إلَّا مَقَامَ وَاحِدٍ إذْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَجُوزَ عَلَى الْوَاحِدِ إلَّا اثْنَانِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَلاَ يَجُوزُ عَلَى شَهَادَةِ الْمَرْأَةِ إلَّا رَجُلاَنِ, وَلاَ يَجُوزُ عَلَيْهَا رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَالٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى فَإِذَا كَانَتْ دَارٌ فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَأَقَامَ رَجُلٌ عَلَيْهَا بَيِّنَةً أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا, وَلَمْ يَشْهَدُوا عَلَى الْوَرَثَةِ, وَلاَ يَعْرِفُونَهُمْ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُكَلِّفُ الْوَرَثَةَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُمْ أَوْلاَدُ فُلاَنٍ بِأَعْيَانِهِمْ, وَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُمْ فَإِنْ أَقَامُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ دَفَعَ الدَّارَ إلَيْهِمْ, وَإِنْ لَمْ يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ, وَقَفَ الدَّارَ أَبَدًا حَتَّى يَأْتُوا بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُمْ وَرَثَتُهُ, وَلاَ وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُمْ, وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْ الْوَارِثِ كَفِيلٌ بِشَيْءٍ مِمَّا يُدْفَعُ إلَيْهِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَحِقَّهُ, وَلَوْ أَخَذْته مِنْهُ أَخَذْته مِمَّنْ قَضَيْتُ لَهُ عَلَى آخَرَ بِدَارٍ أَوْ عَبْدٍ, وَأَخَذْته مِمَّنْ قَضَيْت لَهُ عَلَى رَجُلٍ بِدَيْنٍ, وَمِمَّنْ حَكَمْت لَهُ بِحُكْمٍ مَا كَانَ, وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدَيْ رَجُلٍ, وَادَّعَاهَا آخَرُ, وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ, وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا مُنْذُ سَنَةٍ لاَ يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ, وَأَقَامَ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ, وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا مُنْذُ سَنَةٍ فَإِنَّهَا لِلَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ, وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله تعالى عنه أَقْضِي بِهَا لِلْمُدَّعِي. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَلَوْ أَنَّ الَّذِي فِي يَدَيْهِ الدَّارُ أَقَرَّ أَنَّ الدَّارَ كَانَتْ لِأَبِي الْمُدَّعِي, وَأَنَّ أَبَاهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ, وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ, وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً قُبِلَ مِنْهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الدَّارَ فِي يَدَيْهِ, وَهُوَ أَقْوَى سَبَبًا, وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى مِثْلَهُ إلَّا أَنَّهُ يَجْعَلُهُ الْمُدَّعِيَ فِي هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَأَقَامَ رَجُلٌ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ, وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ, وَلِأَخَوَيْهِ فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ لاَ يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُمْ, وَإِخْوَتُهُ كُلُّهُمْ غُيَّبٌ غَيْرَهُ فَإِنَّ الدَّارَ تَخْرُجُ مِنْ يَدَيْ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ, وَتَصِيرُ مِيرَاثًا, وَيَدْفَعُ إلَى الْحَاضِرِ مِنْ الْوَرَثَةِ حِصَّتَهُ فَإِنْ كَانَ لِلْغَائِبِ مِنْ الْوَرَثَةِ وُكَلاَءُ دَفَعَ إلَيْهِمْ حَقَّ مَنْ هُمْ وُكَلاَؤُهُ, وَإِلَّا وُقِفَتْ أَنْصِبَاؤُهُمْ مِنْ الدَّارِ, وَأُكْرِيَتْ لَهُمْ حَتَّى يَحْضُرُوا, وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى يُدْفَعُ إلَى الْحَاضِرِ حَقُّهُ, وَتُتْرَكُ بَقِيَّةُ الدَّارِ فِي يَدَيْ الَّذِي كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدَيْهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدَيْ وَرَثَةٍ, وَوَاحِدٌ مِنْهُمْ غَائِبٌ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ اشْتَرَى نَصِيبَ ذَلِكَ الْغَائِبِ فَمَنْ قَالَ لاَ يُقْضَى عَلَى الْغَائِبِ فَإِنَّهُ لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ, وَخَصْمُهُ غَائِبٌ, وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلاَءِ الْوَرَثَةِ بِخَصْمِهِ, وَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ مُقِرِّينَ بِنَصِيبِ الْغَائِبِ أَنَّهُ لَهُ, وَمَنْ قَضَى لِلْغَائِبِ قَضَى لِلْمُشْتَرِي بِبَيِّنَتِهِ, وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى لاَ يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى أَكَانَتْ الدَّارُ فِي يَدَيْ رَجُلٍ, وَابْنِ أَخِيهِ فَادَّعَى الْعَمُّ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ, وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ لاَ وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ, وَادَّعَى ابْنُ الْأَخِ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ, وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ لاَ وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ
(قَالَ) وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدَيْ رَجُلٍ, وَابْنِ أَخِيهِ فَقَالَ الْعَمُّ هِيَ بَيْنَ, وَالِدِي, وَأَخِي نِصْفَانِ, وَأَقَرَّ ابْنُ الْأَخِ بِذَلِكَ, وَأَقَامَ الْعَمُّ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ قَبْلَ أَبِيهِ فَوَرِثَهُ أَبُوهُ, وَابْنُهُ لاَ وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُمَا ثُمَّ مَاتَ أَبُوهُ فَوَرِثَهُ هُوَ لاَ وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ, وَأَقَامَ ابْنُ الْأَخِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْجَدَّ مَاتَ قَبْلَ أَخِيهِ, وَأَنَّهُ وَرِثَهُ ابْنَاهُ أَحَدُهُمَا أَبُو ابْنِ الْأَخِ, وَالْآخَرُ الْعَمُّ الْبَاقِي, وَلاَ وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُمَا ثُمَّ مَاتَ أَبُوهُ فَوَرِثَهُ هُوَ لاَ وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فَمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنْ تُلْغَى الْبَيِّنَةُ إذَا كَانَتْ لاَ تَكُونُ إلَّا أَنْ يُكَذِّبَ بَعْضُهَا بَعْضًا أَلْغَى هَذِهِ الْبَيِّنَةَ, وَجَعَلَ هَذِهِ الدَّارَ عَلَى مَا أَقَرَّا بِهَا لِلْمَيِّتَيْنِ, وَوَرَّثَ وَرَثَتَهُمَا الْأَحْيَاءَ وَالْأَمْوَاتَ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ أَصْلَ الْمِلْكِ لِمَنْ أَقَرَّا لَهُ بِهِ, وَمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُمَا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا فَأَيُّهُمَا خَرَجَ سَهْمُهُ قُضِيَ لَهُ بِمَا شَهِدَ لَهُ شُهُودُهُ, وَأَلْغَى شُهُودَ صَاحِبِهِ, وَمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةُ عَمَّا فِي يَدِهِ, وَيُلْغِيَهَا عَمَّا فِي يَدَيْ صَاحِبِهِ قَبِلَهَا ثُمَّ أَثْبَتَ النِّصْفَيْنِ عَلَى أَصْلِ مَا أَقَرَّا بِهِ, وَأَثْبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفَ وَوَرِثَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْ وَرِثَهُ كَانَ حَيًّا يَوْمَهُ هَذَا أَوْ مَيِّتًا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى أَقْضِي فِي هَذِهِ بِنَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِوَرَثَتِهِ الْأَحْيَاءِ, وَلاَ تَرِثُ الْأَمْوَاتُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَأَقْضِي بِنِصْفِ الدَّارِ لِابْنِ الْأَخِ, وَبِنِصْفِ الدَّارِ لِلْعَمِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ, وَتَرَكَ أَخًا لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ فَعَرَفَهُ الْقَاضِي أَوْ شَهِدَ لَهُ بِذَلِكَ شُهُودُهُ, وَلاَ يَعْلَمُ الشُّهُودُ وَلاَ الْقَاضِي أَنَّ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ لَيْسَ أَكْثَرَ مِنْ عِلْمِ النَّسَبِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لاَ يَدْفَعُ إلَيْهِ شَيْئًا لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَخًا, وَلاَ يَكُونُ وَارِثًا, وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْأَخِ ابْنٌ فَشَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّ هَذَا ابْنُهُ, وَلَمْ يَشْهَدُوا عَلَى عَدَدِ الْوَرَثَةِ, وَلاَ عَلَى أَنَّهُ وَارِثُهُ لاَ وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ وَقَفَ الْقَاضِي مَالَهُ وَتَلَوَّمَ بِهِ, وَسَأَلَ عَنْ الْبُلْدَانِ الَّتِي وَطِئَهَا هَلْ لَهُ فِيهَا وَلَدٌ فَإِذَا بَلَغَ الْغَايَةَ الَّتِي لَوْ كَانَ لَهُ فِيهَا وَلَدٌ لَعَرَفَهُ, وَادَّعَى الِابْنُ أَنْ لاَ وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ دَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ كُلَّهُ, وَلاَ يَدْفَعُهُ إلَّا بِأَنْ يَأْخُذَ بِهِ ضَمِينًا بِعَدَدِ الْمَالِ, وَحِكَايَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ لَهُ إلَّا بِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ فَإِذَا جَاءَ وَارِثٌ أَخَذَ الضُّمَنَاءَ بِإِدْخَالِ الْوَارِثِ عَلَيْهِ بِقَدْرِ حَقِّهِ, وَإِنْ كَانَ مَكَانُ الِابْنِ أَوْ مَعَهُ زَوْجَةٌ أَعْطَاهَا رُبُعَ الثَّمَنِ, وَلاَ يُعْطِيهَا إيَّاهُ حَتَّى يَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّ زَوْجَهَا مَاتَ, وَهِيَ لَهُ زَوْجَةٌ, وَلاَ يَعْلَمُونَهُ فَارَقَهَا, وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الِابْنِ أَنَّ مِيرَاثَهَا مَحْدُودُ الْأَكْثَرِ مَحْدُودُ الْأَقَلِّ فَالْأَقَلُّ رُبُعُ الثَّمَنِ, وَالْأَكْثَرُ الرُّبُعُ, وَمِيرَاثُ الِابْنِ غَيْرُ مَحْدُودِ الْأَقَلِّ مَحْدُودُ الْأَكْثَرِ فَالْأَكْثَرُ الْكُلُّ, وَالْأَقَلُّ لاَ يُوقَفُ عَلَيْهِ أَبَدًا إلَّا بِعَدَدِ الْوَرَثَةِ, وَقَدْ يَكْثُرُونَ وَيَقِلُّونَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَلاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ أَحَدٍ خَالَفَ الْأَحْرَارَ الْبَالِغِينَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الدُّنْيَا لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ}, وَلاَ رِضًا فِي أَحَدٍ خَالَفَ الْإِسْلاَمَ, وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَأُشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} وَمِنَّا الْمُسْلِمُونَ, وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ خَالَفَ الْإِسْلاَمَ, وَلَوْ كَانَ رَجُلٌ يُعْرَفُ بِالنَّصْرَانِيَّةِ فَمَاتَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ أَحَدُهُمَا مُسْلِمٌ, وَالْآخَرُ نَصْرَانِيٌّ فَادَّعَى النَّصْرَانِيُّ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ نَصْرَانِيًّا, وَادَّعَى الْمُسْلِمُ أَنَّ أَبَاهُ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ وَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَنْ لاَ وَارِثَ لِلْمَيِّتِ غَيْرُهُمَا, وَلَمْ تَشْهَدْ عَلَى إسْلاَمِهِ وَلاَ كُفْرِهِ غَيْرُ الْكُفْرِ الْأَوَّلِ فَهُوَ عَلَى الْأَصْلِ, وَمِيرَاثُهُ لِلنَّصْرَانِيِّ حَتَّى يُعْلَمَ لَهُ إسْلاَمٌ, وَلَوْ أَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ, وَأَقَامَ النَّصْرَانِيُّ شَاهِدَيْنِ مُسْلِمَيْنِ أَنَّهُ أَبَاهُ مَاتَ نَصْرَانِيًّا, وَالْمُسْلِمُ شَاهِدَيْنِ نَصْرَانِيَّيْنِ أَنَّ أَبَاهُ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ فَالْمِيرَاثُ لِلنَّصْرَانِيِّ الَّذِي شَهِدَ لَهُ الْمُسْلِمَانِ, وَلاَ شَهَادَةَ لِلنَّصْرَانِيَّيْنِ, وَلَوْ كَانَ الشُّهُودُ جَمِيعًا مُسْلِمِينَ صَلَّى عَلَيْهِ, وَمَنْ أَبْطَلَ الْبَيِّنَةَ إذَا كَانَتْ لاَ تَكُونُ إلَّا أَنْ يُكَذِّبَ بَعْضُهَا بَعْضًا جَعَلَ الْمِيرَاثَ لِلنَّصْرَانِيِّ, وَأَقَرَّهُ عَلَى الْأَصْلِ, وَمَنْ رَأَى أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا أُقْرِعَ, وَرَجَعَ الْمِيرَاثُ لِلَّذِي خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ, وَمَنْ رَأَى أَنْ يُقْسَمَ الشَّيْءُ إذَا تَكَافَّتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ دَخَلَتْ عَلَيْهِ فِي هَذَا شَنَاعَةٌ وَقِسْمَةٌ بَيْنَهُمَا فَأَمَّا الصَّلاَةُ عَلَيْهِ فَلَيْسَتْ مِنْ الْمِيرَاثِ إنَّمَا نُصَلِّي عَلَيْهِ بِالْإِشْكَالِ عَلَى نِيَّةِ أَنَّهُ مُسْلِمٌ كَمَا نُصَلِّي عَلَيْهِ لَوْ اخْتَلَطَ بِالْمُسْلِمِينَ مَوْتَى, وَلَمْ يُعْرَفْ عَلَى نِيَّةِ أَنَّهُ مُسْلِمٌ قَالَ الرَّبِيعُ, وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ الشُّهُودَ إنْ كَانُوا جَمِيعًا مُسْلِمِينَ فَشَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ مَاتَ مُسْلِمًا, وَشَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ مَاتَ نَصْرَانِيًّا, وَلَمْ نَعْلَمْ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ أَصْلَ دِينِهِ فَإِنَّ الْمِيرَاثَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِمَا حَتَّى يَصْطَلِحَا فِيهِ لِأَنَّهُمَا يُقِرَّانِ أَنَّ الْمَالَ كَانَ لِأَبِيهِمَا وَأَحَدُهُمَا مُسْلِمٌ, وَالْآخَرُ كَافِرٌ فَمَتَى قَسَمْنَاهُ بَيْنَهُمَا كُنَّا قَدْ وَرَّثْنَا كَافِرًا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ مُسْلِمًا مِنْ كَافِرٍ فَلَمَّا أَحَاطَ الْعِلْمَ أَنَّ هَذَا الْمَالَ لاَ يَكُونُ إلَّا لِوَاحِدٍ, وَلاَ يُعْرَفُ الْوَاحِدُ وَقَفْنَاهُ أَبَدًا حَتَّى يَصْطَلِحَا فِيهِ, وَهَذَا الْقَوْلُ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. (قَالَ الرَّبِيعُ) قَالَ مَالِكٌ يُقْسَمُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدَيْ رَجُلَيْنِ مُسْلِمَيْنِ فَأَقَرَّا جَمِيعًا أَنَّ أَبَاهُمَا مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا, وَقَالَ أَحَدُهُمَا كُنْت مُسْلِمًا, وَكَانَ أَبِي مُسْلِمًا, وَقَالَ الْآخَرُ كُنْت أَنَا أَيْضًا مُسْلِمًا, وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ وَقَالَ كُنْت أَنْتَ كَافِرًا, وَأَسْلَمْتُ أَنْتَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِي, وَقَالَ هُوَ بَلْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ مَوْتِ أَبِي, وَأَقَرَّ أَنَّ أَخَاهُ كَانَ مُسْلِمًا قَبْلَ مَوْتِ أَبِيهِ فَإِنَّ الْمِيرَاثَ لِلْمُسْلِمِ الَّذِي يُجْمَعُ عَلَيْهِ, وَيَكُونُ عَلَى الْآخَرِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ أَسْلَمَ قَبْلَ مَوْتِ أَبِيهِ, وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَا عَبْدَيْنِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِأَخِيهِ أَعْتَقْت بَعْدَ مَوْتِ أَبِيك, وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ أَعْتَقْت قَبْلَ مَوْتِ أَبِي أَنَا وَأَنْتَ جَمِيعًا فَقَالَ الْآخَرُ أَمَّا أَنَا فَقَدْ أَعْتَقْت قَبْلَ مَوْتِ أَبِي, وَأَمَّا أَنْتَ فَأَعْتَقْت بَعْدَ مَوْتِ أَبِيك فَالْمِيرَاثُ لِلَّذِي يُجْمَعُ عَلَى عِتْقِهِ, وَعَلَى الْآخَرِ الْبَيِّنَةُ, وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله تعالى عنه ذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدَيْ ذِمِّيٍّ فَادَّعَى مُسْلِمٌ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ, وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لاَ يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ, وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ, وَادَّعَى فِيهَا ذِمِّيٌّ مِثْلَ ذَلِكَ, وَأَقَامَ بَيِّنَةً مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنَّ الدَّارَ لِلَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ, وَلاَ يُقْضَى بِهَا لِمَنْ ادَّعَاهَا بِشَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ, وَيَحْلِفُ الَّذِي الدَّارُ فِي يَدَيْهِ لِلَّذِي ادَّعَاهَا, وَمَنْ كَانَتْ بَيِّنَتُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَضَيْت لَهُ بِالدَّارِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدَيْ وَرَثَةٍ فَقَالَتْ امْرَأَةُ الْمَيِّتِ وَهِيَ مُسْلِمَةٌ زَوْجِي مُسْلِمٌ مَاتَ, وَهُوَ مُسْلِمٌ, وَقَالَ وَلَدُهُ, وَهُمْ كِبَارٌ كُفَّارٌ بَلْ مَاتَ أَبُونَا كَافِرًا, وَجَاءَ أَخُو الزَّوْجِ مُسْلِمًا, وَقَالَ بَلْ مَاتَ أَخِي مُسْلِمًا, وَادَّعَى الْمِيرَاثَ, وَالْمَرْأَةُ مُقِرَّةٌ بِأَنَّهُ أَخُوهُ, وَأَنَّهُ مُسْلِمٌ فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ مَعْرُوفًا بِالْإِسْلاَمِ فَهُوَ مُسْلِمٌ, وَمِيرَاثُهُ مِيرَاثُ مُسْلِمٍ, وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ مَعْرُوفًا بِالْكُفْرِ كَانَ كَافِرًا, وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَعْرُوفٍ بِالْإِسْلاَمِ, وَلاَ بِالْكُفْرِ كَانَ الْمِيرَاثُ مَوْقُوفًا حَتَّى يُعْرَفَ إسْلاَمُهُ مِنْ كُفْرِهِ بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عَلَيْهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا مَاتَ الْمُسْلِمُ, وَلَهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ كُنْت أَمَةً فَأَعْتَقْتُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ أَوْ ذِمِّيَّةً فَأَسْلَمَتْ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهَا بَيِّنَةٌ بِأَنَّهَا كَانَتْ أَمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً, وَادَّعَتْ الْعِتْقَ وَالْإِسْلاَمَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ الزَّوْجُ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْوَرَثَةُ, وَقَالُوا إنَّمَا كَانَ الْعِتْقُ وَالْإِسْلاَمُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَرَثَةِ, وَعَلَى الْمَرْأَةِ الْبَيِّنَةُ إذَا عُرِفَتْ بِحَالٍ فَهِيَ مِنْ أَهْلِهَا حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى خِلاَفِهَا, وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَقَالَ الْوَرَثَةُ كُنْتِ ذِمِّيَّةً أَوْ أَمَةً أَسْلَمْتِ أَوْ أَعْتَقْتِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَقَالَتْ لَمْ أَزَلِ مُسْلِمَةً حُرَّةً كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا لِأَنَّهَا الْآنَ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ فَلاَ يُقْضَى عَلَيْهَا بِخِلاَفِ ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ أَوْ إقْرَارٌ مِنْهَا, وَهَكَذَا الْأَصْلُ فِي الْعِلْمِ كُلِّهِ لاَ يُخْتَلَفُ فِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَلَوْ أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ بِأَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً فِي صِحَّتِهِ, وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ قَالَتْ رَاجَعَنِي قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ, وَقَالَ الْوَرَثَةُ لَمْ يُرَاجِعْك فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَرَثَةِ لِأَنَّهَا قَدْ أَقَرَّتْ أَنَّهَا خَارِجَةٌ, وَادَّعَتْ الدُّخُولَ فِي مِلْكِهِ فَلاَ تَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ, وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا, وَقَالَتْ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتِي, وَقَالَ الْوَرَثَةُ قَدْ انْقَضَتْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَأَقَامَ الرَّجُلُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَهُ مُنْذُ سَنَتَيْنِ, وَأَقَامَ الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَهُ مُنْذُ سَنَةٍ فَهُوَ لِلَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ, وَالْوَقْتُ الْأَوَّلُ, وَالْوَقْتُ الْآخِرُ سَوَاءٌ, وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي أَيْدِيهمَا فَأَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى الْحَالِ الَّتِي يَتَنَازَعَانِ فِيهَا فَإِذَا شَهِدَ لَهُمَا جَمِيعًا فِي تِلْكَ الْحَالِ أَنَّهُمَا مَالِكَانِ لَمْ أَنْظُرْ إلَى قَدِيمِ الْمِلْكِ وَحَدِيثِهِ, وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى هِيَ لِلَّذِي فِي يَدَيْهِ, وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله تعالى هِيَ لِلْمُدَّعِي, وَلاَ أَقْبَلُ مِنْ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ الْبَيِّنَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِذَا كَانَتْ أَمَةٌ فِي يَدَيْ رَجُلٍ, وَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهَا لَهُ مُنْذُ سَنَةٍ, وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً, وَادَّعَى الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ أَنَّهَا فِي يَدَيْهِ مُنْذُ سَنَتَيْنِ, وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا فِي يَدَيْهِ مُنْذُ سَنَتَيْنِ, وَلَمْ يَشْهَدُوا أَنَّهَا لَهُ فَإِنِّي أَقْضِي بِهَا لِلْمُدَّعِي, وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله تعالى عنه قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله تعالى عنه وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدَيْ رَجُلٍ, وَادَّعَاهَا رَجُلٌ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ مُنْذُ سَنَةٍ وَأَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الَّذِي ادَّعَى مُنْذُ سَنَتَيْنِ, وَهُوَ يَوْمَئِذٍ يَمْلِكُهَا فَإِنِّي أَقْضِي بِهَا لِصَاحِبِ الشِّرَاءِ مِنْ قِبَلِ أَنِّي أَجْعَلُهَا مِلْكًا لَهُ فَأُخْرِجُهَا مِنْ يَدَيْ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ فَإِذَا جَعَلْته مَالِكًا أَجَزْت عَلَيْهِ بَيْعَ مَا يَمْلِكُ, وَلَيْسَ فِي شَهَادَتِهِمْ أَنَّهَا لَهُ مُنْذُ سَنَةٍ مَا يُبْطِلُ أَنَّهَا لَهُ مُنْذُ سَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ بَاعَهَا بِثَمَنٍ مُسَمًّى, وَقَبَضَ الْمُشْتَرِي الدَّارَ, وَلَمْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ يَمْلِكُهَا فَإِنِّي أَقْضِي بِهَا لِصَاحِبِ الشِّرَاءِ, وَإِنْ لَمْ يَشْهَدَا عَلَى قَبْضِ الدَّارِ أَجَزْتُ شَهَادَتَهُمْ, وَجَعَلْتُ لَهُ الشِّرَاءَ, وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى أُجِيزُ لَهُ شَهَادَتَهُمْ إذَا شَهِدُوا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَبَضَ الدَّارَ, وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا عَلَى الْقَبْضِ لَمْ أُجِزْ شَهَادَتَهُمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ, وَأَقَامَ رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ فَهِيَ لِلَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ, وَسَوَاءٌ أَقَامَ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهَا لَهُ بِمِيرَاثٍ أَوْ شِرَاءِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمِلْكِ أَوْ لَمْ يُقِمْهَا أَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى وَقْتٍ أَوْ لَمْ يُقِمْهَا, وَسَوَاءٌ أَقَامَ الْأَجْنَبِيُّ الْبَيِّنَةَ عَلَى مِلْكٍ أَقْدَمَ مِنْ مِلْكِ هَذَا أَوْ أَحْدَثَ أَوْ مَعَهُ أَوْ لَمْ يُقِمْهَا إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى الشُّهُودِ حِينَ يَشْهَدُونَ فَأَجْعَلُهَا لِلَّذِي هُوَ أَحَقُّ فِي تِلْكَ الْحَالِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى إذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ, وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ, وَادَّعَى الْآخَرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ, وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ وَلَمْ تُوَقِّتْ وَاحِدَةٌ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ وَقْتًا فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَهَا بِنِصْفِ الثَّمَنِ الَّذِي سَمَّى شُهُودُهُ, وَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِنِصْفِهِ فَإِذَا اخْتَارَ الْبَيْعَ فَهُوَ جَائِزٌ لَهُمَا فَإِنْ اخْتَارَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ, وَاخْتَارَ الْآخَرُ الرَّدَّ فَلِلَّذِي اخْتَارَ نِصْفَهَا بِنِصْفِ الثَّمَنِ, وَلاَ يَكُونُ لَهُ كُلُّهَا إذَا وَقَعَ الْخِيَارُ مِنْ الْحَاكِمِ. (قَالَ الرَّبِيعُ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ الْبَيْعَ كُلَّهُ مَفْسُوخٌ بَعْدَ الْأَيْمَانِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ أَيُّهُمَا أَوَّلُ, وَيَرْجِعُ إلَى صَاحِبِهَا الْأَوَّلِ فَمَنْ أَقَرَّ لَهُ الْمَالِكُ بِأَنَّهُ بَاعَهُ أَوَّلاً فَهُوَ لِلَّذِي بَاعَهُ أَوَّلاً, وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدَيْ رَجُلٍ أَوْ الْعَبْدُ أَوْ الْأَرْضُ أَوْ الدَّابَّةُ أَوْ الْأَمَةُ أَوْ الثَّوْبُ فَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ فُلاَنٍ وَهُوَ يَمْلِكُهُ بِثَمَنٍ مُسَمًّى, وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ فَادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ رَجُلٍ, وَهُوَ يَمْلِكُهُ بِثَمَنٍ مُسَمًّى, وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ, وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَإِنَّهُ يَقْضِي بِالثَّوْبِ لِلَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا كَانَ الثَّوْبُ فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَأَقَامَ رَجُلاَنِ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ثَوْبُهُ بَاعَهُ مِنْ الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ, وَلَمْ تَقُلْ الشُّهُودُ إنَّهُ ثَوْبُهُ قَالَ يَقْضِي بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ, وَيَقْضِي لِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَى الْمُشْتَرِي بِنِصْفِ الثَّمَنِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَسْتَحِقُّ نِصْفَهُ, وَلَوْ شَهِدَ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَى إقْرَارِ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ قَضَى عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ, وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلاَنٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ, وَهُوَ يَمْلِكُهَا, وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ, وَادَّعَى آخَرُ أَنَّ فُلاَنًا آخَرَ وَهَبَهَا لَهُ, وَقَبَضَهَا مِنْهُ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ يَمْلِكُهَا, وَكَانَ مَعَهُمْ مَنْ يَدَّعِي مِيرَاثًا عَنْ أَبِيهِ, وَهُوَ يَمْلِكُهَا, وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً, وَادَّعَى آخَرُ صَدَقَةً مِنْ آخَرَ, وَهُوَ يَمْلِكُهَا, وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً قَالَ فَمَنْ قَضَى بِالْبَيِّنَتَيْنِ الْمُتَضَادَّتَيْنِ قُضِيَ بِهَا بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا, وَمَنْ قَالَ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ قَضَى بِهَا لِمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ, وَمَنْ قَالَ أُلْغِيهَا كُلَّهَا إذَا تَضَادَّتْ أَلْغَاهَا كُلَّهَا. (قَالَ الرَّبِيعُ) أُلْغِيهَا كُلَّهَا إذَا تَضَادَّتْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى فَإِذَا كَانَ الْكِرَاءُ بَدَا فَاسِدًا فَعَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِ الدَّارِ فِيمَا سَكَنَ بِقَدْرِ مَا سَكَنَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا تَنَازَعَ الرَّجُلاَنِ الْمَالَ فَأَنْظُرُ أَيُّهُمَا كَانَ أَقْوَى سَبَبًا فِيمَا يَتَنَازَعَانِ فِيهِ فَأَجْعَلُهُ لَهُ فَإِذَا اسْتَوَى سَبَبُهُمَا فَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِأَحَقَّ بِهِ مِنْ الْآخَرِ, وَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ فَإِذَا تَنَازَعَا الْمَالَ فَهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي الدَّعْوَى فَإِنْ كَانَ مَا يَتَنَازَعَانِ فِيهِ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَلِلَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ سَبَبٌ أَقْوَى مِنْ سَبَبِ الَّذِي لَيْسَ هُوَ فِي يَدَيْهِ فَهُوَ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ إذَا لَمْ تَقُمْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ فَإِنْ أَقَامَ الَّذِي لَيْسَ فِي يَدَيْهِ بَيِّنَةٌ بِدَعْوَاهُ قِيلَ لِلَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ الَّتِي لاَ تَجْرِ إلَى نَفْسِهَا بِشَهَادَتِهَا, وَلاَ تُدْفَعُ عَنْهَا إذَا كَانَتْ لِلْمُدَّعِي أَقْوَى مِنْ كَيْنُونَةِ الشَّيْءِ فِي يَدِك مِنْ قِبَلِ أَنَّ كَيْنُونَتَهُ فِي يَدِك قَدْ تَكُونُ, وَأَنْتَ غَيْرُ مَالِكٍ فَهُوَ لِلَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بِفَضْلِ قُوَّةِ سَبَبِهِ عَلَى سَبَبِك فَإِنْ أَقَامَا مَعًا الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ قِيلَ قَدْ اسْتَوَيْتُمَا فِي الدَّعْوَى, وَاسْتَوَيْتُمَا فِي الْبَيِّنَةِ, وَلِلَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ سَبَبٌ بِكَيْنُونَتِهِ فِي يَدِهِ هُوَ أَقْوَى مِنْ سَبَبِك فَهُوَ لَهُ بِفَضْلِ قُوَّةِ سَبَبِهِ, وَهَذَا مُعْتَدِلٌ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ سُنَّةٌ, وَفِيهِ سُنَّةٌ بِمِثْلِ مَا قُلْنَا (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: {أَنَّ رَجُلَيْنِ تَدَاعَيَا دَابَّةً فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا دَابَّتُهُ نَتَجَهَا فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ}, وَهَذَا قَوْلُ كُلِّ مَنْ حَفِظْت عَنْهُ مِمَّنْ لَقِيت فِي النِّتَاجِ, وَفِيمَا لاَ يَكُونُ إلَّا مَرَّةً, وَخَالَفَنَا بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ فِيمَا سِوَى النِّتَاجِ, وَفِيمَا يَكُونُ مَرَّتَيْنِ فَقَالَ إذَا أَقَامَا عَلَيْهِ بَيِّنَةً كَانَ لِلَّذِي لَيْسَ هُوَ فِي يَدَيْهِ, وَزَعَمَ أَنَّ الْحُجَّةَ لَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي, وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ}, وَزَعَمَ أَنَّهُ لاَ يَخْلُو خَصْمَانِ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُدَّعِيًا فِي كُلِّ حَالَةٍ, وَالْآخَرُ مُدَّعًى عَلَيْهِ فِي كُلِّ حَالَةٍ, وَيَزْعُمُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ الَّذِي تُقْبَلُ مِنْهُ الْبَيِّنَةُ لاَ يَكُونُ إلَّا مَنْ لاَ شَيْءَ فِي يَدَيْهِ فَأَمَّا مَنْ فِي يَدَيْهِ مَا يَدَّعِي فَذَلِكَ مُدَّعًى عَلَيْهِ لاَ مُدَّعٍ, وَلاَ نَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَقِيلَ لَهُ أَرَأَيْتُ مَا ذَكَرْنَا, وَذَكَرْتُ مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبِلَ الْبَيِّنَةَ مِنْ صَاحِبِ الدَّابَّةِ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ, وَقَضَى لَهُ بِهَا, وَأَبْطَلَ بَيِّنَةَ الَّذِي لَيْسَ هِيَ فِي يَدَيْهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْك حُجَّةٌ إلَّا هُوَ أَمَا كُنْت مَحْجُوجًا عَلَى لِسَانِك أَوْ مَا كَانَ يَلْزَمُك فِي أَصْلِ قَوْلِك أَنْ لاَ تَقْبَلَ بَيِّنَةَ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ؟ فَإِنْ قَالَ إنَّهُ إنَّمَا قَضَى بِهَا لِلَّذِي فِي يَدَيْهِ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ الْبَيِّنَتَيْنِ مَعًا لِأَنَّهُمَا تَكَافَأَتَا. قُلْنَا فَإِنْ قُلْته دَخَلَ عَلَيْك أَنْ تَكُونَ الْبَيِّنَةُ حِينَ اسْتَوَتْ بَاطِلاً. (قَالَ) وَلَوْ أَقَامَ عَلَى دَابَّةِ رَجُلٍ فِي يَدَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّهَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَبْطَلْته, وَلَوْ أَقَامَا بَيِّنَةً عَلَى شَيْءٍ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ نِتَاجٍ أَبْطَلْتهَا لِأَنَّهَا قَدْ تَكَافَأَتْ, وَلَزِمَكَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَنْ تُحَلِّفَ الَّذِي فِي يَدِهِ الدَّابَّةُ لِأَنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ كَمَنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً, وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ (قَالَ) وَلاَ أَقُولُ هَذَا, وَذَكَرَ أَنَّ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ لاَ تَكُونُ أَبَدًا إلَّا كَاذِبَةً مِنْ قِبَلِ أَنَّ الدَّابَّةَ لاَ تَنْتِجُ مَرَّتَيْنِ. قُلْنَا فَإِنْ زَعَمْتَ أَنَّ إحْدَاهُمَا كَاذِبَةٌ بِغَيْرِ عَيْنِهَا فَكَيْفَ أَبْطَلْت إحْدَاهُمَا, وَأَحْقَقْت الْأُخْرَى فَأَنْتَ لاَ تَدْرِي لَعَلَّ الَّتِي أَبْطَلْت هِيَ الصَّادِقَةُ, وَاَلَّتِي أَحْقَقْت هِيَ الْكَاذِبَةُ فَقُلْ مَا أَحْبَبْتَ (قَالَ) فَإِنْ قُلْتَ هَذَا لَزِمَنِي مَا قُلْت, وَلَكِنِّي أَسْأَلُكَ. قُلْت بَعْدَ قَطْعِك الْجَوَابَ قَالَ أَسْأَلُك قُلْت: فَسَلْ قَالَ أَفَيُخَالِفُ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَيْتُمُوهُ فِي النِّتَاجِ الْحَدِيثَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي, وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؟} قُلْنَا: لاَ قَالَ فَمَنْ الْمُدَّعِي, وَمَنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؟ قُلْت: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كُلُّ مَنْ زَعَمَ أَنَّ شَيْئًا لَهُ كَانَ بِيَدَيْهِ أَوْ بِيَدَيْ غَيْرِهِ لِأَنَّ الدَّعْوَى مَعْقُولَةٌ فِي كَلاَمِ الْعَرَبِ أَنَّهَا قَوْلُ الرَّجُلِ هَذَا لِي, وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ كُلُّ مَنْ زَعَمَ أَنَّ قِبَلَهُ حَقًّا فِي يَدَيْهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ قَوْلِهِ لاَ مَا ذَهَبْتَ إلَيْهِ. (قَالَ) فَمَا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْتَ؟ قُلْنَا مَا لاَ أَحْسَبُ أَحَدًا يَجْهَلُهُ مِنْ اللِّسَانِ (قَالَ) فَمَا قَوْلُهُ: {الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي} قُلْنَا السُّنَّةُ فِي النِّتَاجِ, وَإِجْمَاعُ النَّاسِ أَنَّ مَا ادَّعَى مِمَّا فِي يَدَيْهِ لَهُ حَتَّى تَقُومَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِخِلاَفِهِ يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: {الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي} يَعْنِي الَّذِي لاَ سَبَبَ لَهُ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ إلَّا دَعْوَاهُ, وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لاَ سَبَبَ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ إلَّا قَوْلُهُ. (قَالَ) فَأَيْنَ هَذَا؟ قُلْنَا مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ لِي فِي يَدَيْكَ مَالٌ مَا كَانَ أَوْ عَلَيْكَ حَقٌّ قُلْته أَوْ فَعَلْته فَقَالَ مَالِكٌ قَبْلِي, وَلاَ عَلَيَّ حَقٌّ أَلَيْسَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ؟ قَالَ: بَلَى قُلْنَا فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ لِلْبَرَاءَةِ مِمَّا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ, وَالْمَالُ فِي يَدَيْهِ هُوَ الَّذِي لاَ يُكَلَّفُ بَيِّنَةً, وَإِنْ كَانَ مُدَّعِيًا أَوْ يُكَلَّفُ الَّذِي لاَ سَبَبَ لَهُ بِدَعْوَاهُ الْبَيِّنَةَ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ هَذَا حِينَ ادَّعَى الْبَرَاءَةَ مِمَّا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ, وَادَّعَى الشَّيْءَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ, وَلَهُ سَبَبٌ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ يُكَلَّفُ بَيِّنَةً أَمَا كَانَ الْحَقُّ لاَزِمًا لَهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ يُقِيمُهَا؟ قَالَ فَإِنْ قُلْتَ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَلَيْسَ هُوَ الْمُدَّعِي؟ قُلْنَا فَإِذَا كَانَ مُدَّعًى عَلَيْهِ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ بَيِّنَةٌ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْنَا فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِبَرَاءَةِ مَنْ حَقٍّ دَفَعَهُ أَوْ بَطَلَ عَنْهُ بِغَيْرِ وَجْهِ الدَّفْعِ أَتَقْبَلُهَا مِنْهُ؟ قَالَ نَعَمْ, وَأَجْعَلُهُ حِينَئِذٍ مُدَّعِيًا قُلْنَا فَهُوَ إذًا قَدْ يَكُونُ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ مُدَّعِيًا مُدَّعًى عَلَيْهِ, وَلَيْسَ هُوَ هَكَذَا زَعَمْت قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلاَنٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ, وَهُوَ يَمْلِكُهَا, وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ, وَادَّعَى آخَرُ أَنَّ فُلاَنًا آخَرَ وَهَبَهَا لَهُ, وَقَبَضَهَا مِنْهُ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ يَمْلِكُهَا, وَكَانَ مَعَهُمْ مَنْ يَدَّعِي مِيرَاثًا عَنْ أَبِيهِ, وَهُوَ يَمْلِكُهَا, وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً, وَادَّعَى آخَرُ صَدَقَةً مِنْ آخَرَ, وَهُوَ يَمْلِكُهَا, وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً قَالَ فَمَنْ قَضَى بِالْبَيِّنَتَيْنِ الْمُتَضَادَّتَيْنِ قُضِيَ بِهَا بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا, وَمَنْ قَالَ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ قَضَى بِهَا لِمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ, وَمَنْ قَالَ أُلْغِيهَا كُلَّهَا إذَا تَضَادَّتْ أَلْغَاهَا كُلَّهَا. (قَالَ الرَّبِيعُ) أُلْغِيهَا كُلَّهَا إذَا تَضَادَّتْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى فَإِذَا كَانَ الْكِرَاءُ بَدَا فَاسِدًا فَعَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِ الدَّارِ فِيمَا سَكَنَ بِقَدْرِ مَا سَكَنَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا تَنَازَعَ الرَّجُلاَنِ الْمَالَ فَأَنْظُرُ أَيُّهُمَا كَانَ أَقْوَى سَبَبًا فِيمَا يَتَنَازَعَانِ فِيهِ فَأَجْعَلُهُ لَهُ فَإِذَا اسْتَوَى سَبَبُهُمَا فَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِأَحَقَّ بِهِ مِنْ الْآخَرِ, وَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ فَإِذَا تَنَازَعَا الْمَالَ فَهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي الدَّعْوَى فَإِنْ كَانَ مَا يَتَنَازَعَانِ فِيهِ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَلِلَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ سَبَبٌ أَقْوَى مِنْ سَبَبِ الَّذِي لَيْسَ هُوَ فِي يَدَيْهِ فَهُوَ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ إذَا لَمْ تَقُمْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ فَإِنْ أَقَامَ الَّذِي لَيْسَ فِي يَدَيْهِ بَيِّنَةٌ بِدَعْوَاهُ قِيلَ لِلَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ الَّتِي لاَ تَجْرِ إلَى نَفْسِهَا بِشَهَادَتِهَا, وَلاَ تُدْفَعُ عَنْهَا إذَا كَانَتْ لِلْمُدَّعِي أَقْوَى مِنْ كَيْنُونَةِ الشَّيْءِ فِي يَدِك مِنْ قِبَلِ أَنَّ كَيْنُونَتَهُ فِي يَدِك قَدْ تَكُونُ, وَأَنْتَ غَيْرُ مَالِكٍ فَهُوَ لِلَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بِفَضْلِ قُوَّةِ سَبَبِهِ عَلَى سَبَبِك فَإِنْ أَقَامَا مَعًا الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ قِيلَ قَدْ اسْتَوَيْتُمَا فِي الدَّعْوَى, وَاسْتَوَيْتُمَا فِي الْبَيِّنَةِ, وَلِلَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ سَبَبٌ بِكَيْنُونَتِهِ فِي يَدِهِ هُوَ أَقْوَى مِنْ سَبَبِك فَهُوَ لَهُ بِفَضْلِ قُوَّةِ سَبَبِهِ, وَهَذَا مُعْتَدِلٌ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ سُنَّةٌ, وَفِيهِ سُنَّةٌ بِمِثْلِ مَا قُلْنَا (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: {أَنَّ رَجُلَيْنِ تَدَاعَيَا دَابَّةً فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا دَابَّتُهُ نَتَجَهَا فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ}, وَهَذَا قَوْلُ كُلِّ مَنْ حَفِظْت عَنْهُ مِمَّنْ لَقِيت فِي النِّتَاجِ, وَفِيمَا لاَ يَكُونُ إلَّا مَرَّةً, وَخَالَفَنَا بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ فِيمَا سِوَى النِّتَاجِ, وَفِيمَا يَكُونُ مَرَّتَيْنِ فَقَالَ إذَا أَقَامَا عَلَيْهِ بَيِّنَةً كَانَ لِلَّذِي لَيْسَ هُوَ فِي يَدَيْهِ, وَزَعَمَ أَنَّ الْحُجَّةَ لَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي, وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ}, وَزَعَمَ أَنَّهُ لاَ يَخْلُو خَصْمَانِ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُدَّعِيًا فِي كُلِّ حَالَةٍ, وَالْآخَرُ مُدَّعًى عَلَيْهِ فِي كُلِّ حَالَةٍ, وَيَزْعُمُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ الَّذِي تُقْبَلُ مِنْهُ الْبَيِّنَةُ لاَ يَكُونُ إلَّا مَنْ لاَ شَيْءَ فِي يَدَيْهِ فَأَمَّا مَنْ فِي يَدَيْهِ مَا يَدَّعِي فَذَلِكَ مُدَّعًى عَلَيْهِ لاَ مُدَّعٍ, وَلاَ نَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَقِيلَ لَهُ أَرَأَيْتُ مَا ذَكَرْنَا, وَذَكَرْتُ مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبِلَ الْبَيِّنَةَ مِنْ صَاحِبِ الدَّابَّةِ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ, وَقَضَى لَهُ بِهَا, وَأَبْطَلَ بَيِّنَةَ الَّذِي لَيْسَ هِيَ فِي يَدَيْهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْك حُجَّةٌ إلَّا هُوَ أَمَا كُنْت مَحْجُوجًا عَلَى لِسَانِك أَوْ مَا كَانَ يَلْزَمُك فِي أَصْلِ قَوْلِك أَنْ لاَ تَقْبَلَ بَيِّنَةَ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ؟ فَإِنْ قَالَ إنَّهُ إنَّمَا قَضَى بِهَا لِلَّذِي فِي يَدَيْهِ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ الْبَيِّنَتَيْنِ مَعًا لِأَنَّهُمَا تَكَافَأَتَا. قُلْنَا فَإِنْ قُلْته دَخَلَ عَلَيْك أَنْ تَكُونَ الْبَيِّنَةُ حِينَ اسْتَوَتْ بَاطِلاً. (قَالَ) وَلَوْ أَقَامَ عَلَى دَابَّةِ رَجُلٍ فِي يَدَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّهَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَبْطَلْته, وَلَوْ أَقَامَا بَيِّنَةً عَلَى شَيْءٍ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ نِتَاجٍ أَبْطَلْتهَا لِأَنَّهَا قَدْ تَكَافَأَتْ, وَلَزِمَكَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَنْ تُحَلِّفَ الَّذِي فِي يَدِهِ الدَّابَّةُ لِأَنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ كَمَنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً, وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ (قَالَ) وَلاَ أَقُولُ هَذَا, وَذَكَرَ أَنَّ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ لاَ تَكُونُ أَبَدًا إلَّا كَاذِبَةً مِنْ قِبَلِ أَنَّ الدَّابَّةَ لاَ تَنْتِجُ مَرَّتَيْنِ. قُلْنَا فَإِنْ زَعَمْتَ أَنَّ إحْدَاهُمَا كَاذِبَةٌ بِغَيْرِ عَيْنِهَا فَكَيْفَ أَبْطَلْت إحْدَاهُمَا, وَأَحْقَقْت الْأُخْرَى فَأَنْتَ لاَ تَدْرِي لَعَلَّ الَّتِي أَبْطَلْت هِيَ الصَّادِقَةُ, وَاَلَّتِي أَحْقَقْت هِيَ الْكَاذِبَةُ فَقُلْ مَا أَحْبَبْتَ (قَالَ) فَإِنْ قُلْتَ هَذَا لَزِمَنِي مَا قُلْت, وَلَكِنِّي أَسْأَلُكَ. قُلْت بَعْدَ قَطْعِك الْجَوَابَ قَالَ أَسْأَلُك قُلْت: فَسَلْ قَالَ أَفَيُخَالِفُ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَيْتُمُوهُ فِي النِّتَاجِ الْحَدِيثَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي, وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؟} قُلْنَا: لاَ قَالَ فَمَنْ الْمُدَّعِي, وَمَنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؟ قُلْت: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كُلُّ مَنْ زَعَمَ أَنَّ شَيْئًا لَهُ كَانَ بِيَدَيْهِ أَوْ بِيَدَيْ غَيْرِهِ لِأَنَّ الدَّعْوَى مَعْقُولَةٌ فِي كَلاَمِ الْعَرَبِ أَنَّهَا قَوْلُ الرَّجُلِ هَذَا لِي, وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ كُلُّ مَنْ زَعَمَ أَنَّ قِبَلَهُ حَقًّا فِي يَدَيْهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ قَوْلِهِ لاَ مَا ذَهَبْتَ إلَيْهِ. (قَالَ) فَمَا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْتَ؟ قُلْنَا مَا لاَ أَحْسَبُ أَحَدًا يَجْهَلُهُ مِنْ اللِّسَانِ (قَالَ) فَمَا قَوْلُهُ: {الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي} قُلْنَا السُّنَّةُ فِي النِّتَاجِ, وَإِجْمَاعُ النَّاسِ أَنَّ مَا ادَّعَى مِمَّا فِي يَدَيْهِ لَهُ حَتَّى تَقُومَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِخِلاَفِهِ يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: {الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي} يَعْنِي الَّذِي لاَ سَبَبَ لَهُ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ إلَّا دَعْوَاهُ, وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لاَ سَبَبَ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ إلَّا قَوْلُهُ. (قَالَ) فَأَيْنَ هَذَا؟ قُلْنَا مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ لِي فِي يَدَيْكَ مَالٌ مَا كَانَ أَوْ عَلَيْكَ حَقٌّ قُلْته أَوْ فَعَلْته فَقَالَ مَالِكٌ قَبْلِي, وَلاَ عَلَيَّ حَقٌّ أَلَيْسَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ؟ قَالَ: بَلَى قُلْنَا فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ لِلْبَرَاءَةِ مِمَّا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ, وَالْمَالُ فِي يَدَيْهِ هُوَ الَّذِي لاَ يُكَلَّفُ بَيِّنَةً, وَإِنْ كَانَ مُدَّعِيًا أَوْ يُكَلَّفُ الَّذِي لاَ سَبَبَ لَهُ بِدَعْوَاهُ الْبَيِّنَةَ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ هَذَا حِينَ ادَّعَى الْبَرَاءَةَ مِمَّا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ, وَادَّعَى الشَّيْءَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ, وَلَهُ سَبَبٌ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ يُكَلَّفُ بَيِّنَةً أَمَا كَانَ الْحَقُّ لاَزِمًا لَهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ يُقِيمُهَا؟ قَالَ فَإِنْ قُلْتَ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَلَيْسَ هُوَ الْمُدَّعِي؟ قُلْنَا فَإِذَا كَانَ مُدَّعًى عَلَيْهِ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ بَيِّنَةٌ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْنَا فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِبَرَاءَةِ مَنْ حَقٍّ دَفَعَهُ أَوْ بَطَلَ عَنْهُ بِغَيْرِ وَجْهِ الدَّفْعِ أَتَقْبَلُهَا مِنْهُ؟ قَالَ نَعَمْ, وَأَجْعَلُهُ حِينَئِذٍ مُدَّعِيًا قُلْنَا فَهُوَ إذًا قَدْ يَكُونُ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ مُدَّعِيًا مُدَّعًى عَلَيْهِ, وَلَيْسَ هُوَ هَكَذَا زَعَمْت قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا تَدَاعَى الرَّجُلاَنِ الشَّيْءَ, وَهُوَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَأَقَامَا مَعًا عَلَيْهِ بَيِّنَةً فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ إذَا كَانَتْ الْبَيِّنَةُ مِمَّا يُقْضَى بِمِثْلِهِ مِثْلَ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ شَاهِدَيْنِ فَأَقَامَ الْآخَرُ عَشَرَةً وَأَكْثَرَ فَسَوَاءٌ لِأَنَّا نَقْطَعُ بِهَؤُلاَءِ كَمَا نَقْطَعُ بِهَؤُلاَءِ, وَسَوَاءٌ كَانَ بَعْضُهُمْ أَرْجَحَ مِنْ بَعْضٍ لِأَنَّا نَقْطَعُ بِالْأَدْنَيَيْنِ إذَا كَانُوا عُدُولاً مِثْلَ مَا يُقْطَعُ بِالْأَعْلَيَيْنِ أَلاَ تَرَى أَنَّا لاَ نُنْقِصُ صَاحِبَ الْأَدْنَيَيْنِ لَوْ أَقَامَهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ عَمَّا يُعْطَى صَاحِبُ الْأَعْلَيَيْنِ لَوْ أَقَامَهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ؟ فَإِذَا كَانَ الْحُكْمُ بِهِمْ وَاحِدًا فَسَبَبُهُمَا مِنْ جِهَةِ الْبَيِّنَتَيْنِ مُسْتَوٍ, وَقَالَ فِي الْإِبِلِ, وَالْبَقَرِ, وَجَمِيعِ الدَّوَابِّ الضَّوَارِي الْمُفْسِدَةِ لِلزَّرْعِ أَنَّهُ لاَ حَدَّ, وَلاَ نَفْيَ عَلَى بَهِيمَةٍ, وَقَدْ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أَفْسَدَتْ الْمَوَاشِي أَنَّهُ ضَامِنٌ عَلَى أَهْلِهَا, وَقَضَى عَلَى أَهْلِ الْأَمْوَالِ بِحِفْظِهَا بِالنَّهَارِ, وَقَضَاؤُهُ عَلَيْهِمْ بِالْحِفْظِ لِأَمْوَالِهِمْ بِالنَّهَارِ إبْطَالٌ لِمَا أَصَابَتْ فِي النَّهَارِ, وَتَغْرِيمٌ لِمَا أَصَابَتْ فِي اللَّيْلِ, وَفِي هَذَا دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّهَا لاَ تُبَاعُ عَلَى أَهْلِهَا, وَلاَ تُنْفَى مِنْ بَلَدِهَا, وَلاَ تُعْقَرُ, وَلاَ يُعْدَى بِهَا مَا قَضَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ بِشَيْءٍ مَا كَانَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ عَرْضٍ مِنْ الْعُرُوضِ فَوَصَلَ إقْرَارُهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْكَلاَمِ مِنْ مَعْنَى الْإِقْرَارِ بِصِفَةٍ لِمَا أَقَرَّ بِهِ أَوْ أَجَلٍ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي أَوَّلِ الْكَلاَمِ وَآخِرِهِ, وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ سَوْدَاءُ أَوْ طَبَرِيَّةُ أَوْ يَزِيدِيَّةٌ أَوْ لَهُ عَلَيَّ عَبْدٌ مِنْ صِفَتِهِ أَوْ طَعَامٌ مِنْ صِفَتِهِ أَوْ أَلْفُ دِرْهَمٍ تَحِلُّ فِي سَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي هَذَا كُلِّهِ لِأَنِّي إذَا لَمْ أُثْبِتْ عَلَيْهِ مِنْ هَذَا شَيْئًا إلَّا بِقَوْلِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ أَجْعَلَ قَوْلاً وَاحِدًا أَبَدًا إلَّا حُكْمًا وَاحِدًا لاَ حُكْمَيْنِ. وَمَنْ قَالَ أَقْبَلُ قَوْلَهُ فِي الدَّرَاهِمِ, وَأَجْعَلُ ذِكْرَهُ الْأَجَلَ دَعْوَى مِنْهُ لاَ أَقْبَلُهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ إذَا أَقَرَّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ كَانَتْ نَقْدَ الْبَلَدِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ فَإِنْ وَصَلَ إقْرَارُهُ بِأَنْ يَقُولَ طَبَرِيَّةً جَعَلْتُهُ مُدَّعِيًا لِأَنَّهُ قَدْ نَقَصَ مِنْ وَزْنِ أَلْفِ دِرْهَمٍ, وَمِنْ أَعْيَانِهَا, وَإِنْ أَقَرَّ بِطَعَامٍ فَزَعَمَ أَنَّهُ طَعَامٌ حَوْلِيٌّ جَعَلْت عَلَيْهِ طَعَامًا جَدِيدًا, وَلَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا عَشَرَةَ يَلْزَمُهُ أَلْفٌ, وَيَبْطُلُ الثُّنْيَا, وَلَزِمَهُ لَوْ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ ثَلاَثًا إلَّا وَاحِدَةً أَنْ يَقَعَ الثَّلاَثُ, وَيَبْطُلُ الثُّنْيَا فِي الْوَاحِدَةِ, وَلَزِمَهُ لَوْ قَالَ رَقِيقِي أَحْرَارٌ إلَّا وَاحِدًا أَنْ يَكُونُوا أَحْرَارًا, وَيَبْطُلُ الثُّنْيَا, وَلَكِنَّهُ لَوْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ سَكَتَ وَقَطَعَ الْكَلاَمَ ثُمَّ قَالَ إنَّمَا عَنَيْت أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَّا عَشَرَةً أَلْزَمْنَاهُ إقْرَارَهُ الْأَوَّلَ, وَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ الثُّنْيَا إذَا خَرَجَ مِنْ الْكَلاَم, وَلَوْ جَعَلْنَاهُ لَهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْكَلاَمِ وَقَطْعِهِ إيَّاهُ جَعَلْنَاهُ لَهُ بَعْدَ أَيَّامٍ, وَبَعْدَ زَمَانٍ, وَإِنْ قَالَ لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ بِعْتنِيهِ أَوْ وَدِيعَةٍ أَوْ سَلَفٍ, وَقَالَ إلَى أَجَلٍ فَسَوَاءٌ, وَهِيَ إلَى الْأَجَلِ إلَّا فِي السَّلَفِ فَإِنَّ السَّلَفَ حَالٌّ, الْوَدِيعَةُ حَالَّةٌ فَلَوْ أَنَّ رَجُلاً أَسْلَفَ رَجُلاً أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَى سَنَةٍ كَانَتْ حَالَّةً لَهُ مَتَى شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ السَّلَفَ لِأَنَّ السَّلَفَ عَارِيَّةٌ لَمْ يَأْخُذْ بِهَا الْمُسَلِّفُ عِوَضًا فَلاَ يَكُونُ لَهُ أَخْذُهَا قَبْلَ مَا شَرَطَ الْمُسَلِّفُ فِيهَا, وَهَكَذَا الْوَدِيعَةُ, وَجَمِيعُ الْعَارِيَّةِ مِنْ الْمَتَاعِ, وَغَيْرِهِ فَلِصَاحِبِهِ أَخْذُهُ مَتَى شَاءَ, وَسَوَاءٌ غَرَّ الْمُعَارَ أَوْ الْمُسَلِّفَ مِنْ شَيْءٍ أَوْ لَمْ يَغُرَّهُ إلَّا أَنَّ الَّذِي يُحْسِنُ فِي هَذَا مَكَارِمَ الْأَخْلاَقِ, وَأَنْ يَفِيَ لَهُ فَأَمَّا الْحُكْمُ فَيَأْخُذُهَا مَتَى شَاءَ, وَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ الدَّيْنُ إلَى أَجَلٍ مِنْ الْآجَالِ قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ فَأَرَادَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ السَّفَرَ, وَسَأَلَ الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ أَنْ يُحْبَسَ عَنْ سَفَرِهِ, وَقَالَ سَفَرُهُ بَعِيدٌ, وَالْأَجَلُ قَرِيبٌ أَوْ يُؤْخَذَ لَهُ كَفِيلٌ أَوْ رَهْنٌ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ, وَقِيلَ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ طَلَبْته حَيْثُ كَانَ أَوْ مَالَهُ فَقَضَى لَك فِيهِ مَنْ يَرَى الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ, وَمَالُك حَيْثُ وَضَعْته, وَكَمَا وَضَعْته لاَ يُحِيلُهُ عَمَّا تَرَاضَيْتُمَا بِهِ خَوْفُ مَا لاَ يَدْرِي يَكُونُ أَوْ لاَ أَنْتَ تَرْضَى أَنْ تَكُونَ أَعْطَيْته إيَّاهُ لاَ سَبِيلَ لَك عَلَيْهِ فِيهِ إلَى الْأَجَلِ ثُمَّ نَجْعَلُ لَك عَلَيْهِ السَّبِيلَ قَبْلَ الْأَجَلِ, وَلَسْنَا نُعْطِي بِالْخَوْفِ مَا لَمْ يَكُنْ لِمَا أَعْطَيْته, وَلاَ تَرْضَى ذِمَّتَهُ, وَنَأْخُذُ لَك مَعَ ذِمَّتِهِ رَهْنًا, وَجَمِيلاً بِهِ, وَكَذَلِكَ لَوْ بِعْته مَتَاعًا إلَى أَجَلٍ فَلَمْ تَدْفَعْهُ إلَيْهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّهُ غَيْرُ مَلِيءٍ جَبَرْنَاك عَلَى دَفْعِهِ إلَيْهِ, وَلَمْ نَفْسَخْ بَيْنَكُمَا الْبَيْعَ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ فَيَكُونُ مُفْلِسًا لِأَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُوسِرَ قَبْلَ الْأَجَلِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ بِشَيْءٍ مَا كَانَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ عَرْضٍ مِنْ الْعُرُوضِ فَوَصَلَ إقْرَارُهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْكَلاَمِ مِنْ مَعْنَى الْإِقْرَارِ بِصِفَةٍ لِمَا أَقَرَّ بِهِ أَوْ أَجَلٍ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي أَوَّلِ الْكَلاَمِ وَآخِرِهِ, وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ سَوْدَاءُ أَوْ طَبَرِيَّةُ أَوْ يَزِيدِيَّةٌ أَوْ لَهُ عَلَيَّ عَبْدٌ مِنْ صِفَتِهِ أَوْ طَعَامٌ مِنْ صِفَتِهِ أَوْ أَلْفُ دِرْهَمٍ تَحِلُّ فِي سَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي هَذَا كُلِّهِ لِأَنِّي إذَا لَمْ أُثْبِتْ عَلَيْهِ مِنْ هَذَا شَيْئًا إلَّا بِقَوْلِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ أَجْعَلَ قَوْلاً وَاحِدًا أَبَدًا إلَّا حُكْمًا وَاحِدًا لاَ حُكْمَيْنِ. وَمَنْ قَالَ أَقْبَلُ قَوْلَهُ فِي الدَّرَاهِمِ, وَأَجْعَلُ ذِكْرَهُ الْأَجَلَ دَعْوَى مِنْهُ لاَ أَقْبَلُهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ إذَا أَقَرَّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ كَانَتْ نَقْدَ الْبَلَدِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ فَإِنْ وَصَلَ إقْرَارُهُ بِأَنْ يَقُولَ طَبَرِيَّةً جَعَلْتُهُ مُدَّعِيًا لِأَنَّهُ قَدْ نَقَصَ مِنْ وَزْنِ أَلْفِ دِرْهَمٍ, وَمِنْ أَعْيَانِهَا, وَإِنْ أَقَرَّ بِطَعَامٍ فَزَعَمَ أَنَّهُ طَعَامٌ حَوْلِيٌّ جَعَلْت عَلَيْهِ طَعَامًا جَدِيدًا, وَلَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا عَشَرَةَ يَلْزَمُهُ أَلْفٌ, وَيَبْطُلُ الثُّنْيَا, وَلَزِمَهُ لَوْ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ ثَلاَثًا إلَّا وَاحِدَةً أَنْ يَقَعَ الثَّلاَثُ, وَيَبْطُلُ الثُّنْيَا فِي الْوَاحِدَةِ, وَلَزِمَهُ لَوْ قَالَ رَقِيقِي أَحْرَارٌ إلَّا وَاحِدًا أَنْ يَكُونُوا أَحْرَارًا, وَيَبْطُلُ الثُّنْيَا, وَلَكِنَّهُ لَوْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ سَكَتَ وَقَطَعَ الْكَلاَمَ ثُمَّ قَالَ إنَّمَا عَنَيْت أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَّا عَشَرَةً أَلْزَمْنَاهُ إقْرَارَهُ الْأَوَّلَ, وَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ الثُّنْيَا إذَا خَرَجَ مِنْ الْكَلاَم, وَلَوْ جَعَلْنَاهُ لَهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْكَلاَمِ وَقَطْعِهِ إيَّاهُ جَعَلْنَاهُ لَهُ بَعْدَ أَيَّامٍ, وَبَعْدَ زَمَانٍ, وَإِنْ قَالَ لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ بِعْتنِيهِ أَوْ وَدِيعَةٍ أَوْ سَلَفٍ, وَقَالَ إلَى أَجَلٍ فَسَوَاءٌ, وَهِيَ إلَى الْأَجَلِ إلَّا فِي السَّلَفِ فَإِنَّ السَّلَفَ حَالٌّ, الْوَدِيعَةُ حَالَّةٌ فَلَوْ أَنَّ رَجُلاً أَسْلَفَ رَجُلاً أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَى سَنَةٍ كَانَتْ حَالَّةً لَهُ مَتَى شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ السَّلَفَ لِأَنَّ السَّلَفَ عَارِيَّةٌ لَمْ يَأْخُذْ بِهَا الْمُسَلِّفُ عِوَضًا فَلاَ يَكُونُ لَهُ أَخْذُهَا قَبْلَ مَا شَرَطَ الْمُسَلِّفُ فِيهَا, وَهَكَذَا الْوَدِيعَةُ, وَجَمِيعُ الْعَارِيَّةِ مِنْ الْمَتَاعِ, وَغَيْرِهِ فَلِصَاحِبِهِ أَخْذُهُ مَتَى شَاءَ, وَسَوَاءٌ غَرَّ الْمُعَارَ أَوْ الْمُسَلِّفَ مِنْ شَيْءٍ أَوْ لَمْ يَغُرَّهُ إلَّا أَنَّ الَّذِي يُحْسِنُ فِي هَذَا مَكَارِمَ الْأَخْلاَقِ, وَأَنْ يَفِيَ لَهُ فَأَمَّا الْحُكْمُ فَيَأْخُذُهَا مَتَى شَاءَ, وَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ الدَّيْنُ إلَى أَجَلٍ مِنْ الْآجَالِ قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ فَأَرَادَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ السَّفَرَ, وَسَأَلَ الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ أَنْ يُحْبَسَ عَنْ سَفَرِهِ, وَقَالَ سَفَرُهُ بَعِيدٌ, وَالْأَجَلُ قَرِيبٌ أَوْ يُؤْخَذَ لَهُ كَفِيلٌ أَوْ رَهْنٌ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ, وَقِيلَ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ طَلَبْته حَيْثُ كَانَ أَوْ مَالَهُ فَقَضَى لَك فِيهِ مَنْ يَرَى الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ, وَمَالُك حَيْثُ وَضَعْته, وَكَمَا وَضَعْته لاَ يُحِيلُهُ عَمَّا تَرَاضَيْتُمَا بِهِ خَوْفُ مَا لاَ يَدْرِي يَكُونُ أَوْ لاَ أَنْتَ تَرْضَى أَنْ تَكُونَ أَعْطَيْته إيَّاهُ لاَ سَبِيلَ لَك عَلَيْهِ فِيهِ إلَى الْأَجَلِ ثُمَّ نَجْعَلُ لَك عَلَيْهِ السَّبِيلَ قَبْلَ الْأَجَلِ, وَلَسْنَا نُعْطِي بِالْخَوْفِ مَا لَمْ يَكُنْ لِمَا أَعْطَيْته, وَلاَ تَرْضَى ذِمَّتَهُ, وَنَأْخُذُ لَك مَعَ ذِمَّتِهِ رَهْنًا, وَجَمِيلاً بِهِ, وَكَذَلِكَ لَوْ بِعْته مَتَاعًا إلَى أَجَلٍ فَلَمْ تَدْفَعْهُ إلَيْهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّهُ غَيْرُ مَلِيءٍ جَبَرْنَاك عَلَى دَفْعِهِ إلَيْهِ, وَلَمْ نَفْسَخْ بَيْنَكُمَا الْبَيْعَ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ فَيَكُونُ مُفْلِسًا لِأَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُوسِرَ قَبْلَ الْأَجَلِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى, وَإِذَا مَاتَ لِرَجُلٍ شَاةٌ أَوْ بَعِيرٌ أَوْ دَابَّةٌ فَاسْتَأْجَرَ مَنْ يَطْرَحُهَا بِجِلْدِهَا فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ فَإِنْ تَرَاجَعَا قَبْلَ طَرْحِهَا فَسَخْنَاهَا, وَإِنْ طَرَحَهَا جَعَلْنَا لَهُ أَجْرَ مِثْلِهِ, وَرَدَدْنَا الْجِلْدَ إنْ كَانَ أَخَذَهُ عَلَى مَالِك الدَّابَّةِ الْمَيِّتَةِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ, وَمِنْ أَيْنَ تَفْسُدُ؟ قِيلَ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ جِلْدَ الْمَيِّتَةِ لاَ يَحِلُّ بَيْعُهُ مَا لَمْ يُدْبَغْ فَالْإِجَارَةُ لاَ تَحِلُّ إلَّا بِمَا يَحِلُّ بَيْعُهُ, وَمِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ جِلْدَ ذَكِيٍّ لَمْ يَحِلَّ بَيْعُهُ, وَهُوَ غَيْرُ مَسْلُوخٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قَدْ يَتْلَفُ, وَيُعَابُ فِي السَّلْخِ, وَيَخْرُجُ عَلَى غَيْرِ مَا يَعْرِفُ صَاحِبُهُ
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَلَوْ وَجَبَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ قِصَاصٌ فِي قَطْعِ يَدٍ أَوْ جُرْحِ غَيْرِهِ أَوْ نَفْسٍ هُوَ وَلِيُّهَا فَقَالَ الَّذِي لَهُ الْقِصَاصُ قَدْ صَالَحْتُك مِمَّا لِي عَلَيْك مِنْ الْقِصَاصِ عَلَى أَرْشِهِ, وَقَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الْقِصَاصُ مَا صَالَحْتُك وَالْقِصَاصُ لَك فَإِنْ شِئْت فَخُذْهُ, وَإِنْ شِئْت فَدَعْهُ, قُلْنَا لِلْمُدَّعِي الصُّلْحَ أَنْتَ فِي أَصْلِ مَا كَانَ لَك كُنْت غَنِيًّا عَنْ الصُّلْحِ لِأَنَّ أَصْلَ مَا وَجَبَ لَك الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ تَقْتَصَّ وَبَيْنَ أَنْ تَأْخُذَ الْأَرْشَ مَكَانَك حَالاً فِي مَالِ الْجَانِي, وَتَدَعَ الْقِصَاصَ فَلاَ يَبْطُلُ ذَلِكَ لَك بِقَوْلِك صَالَحْتُك, وَلَكِنْ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ الْقِصَاصُ, وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا الْقِصَاصُ, وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا لاَ أَبْطَلَ الْقِصَاصُ عَنْ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ بِأَنَّ الْمُدَّعِيَ زَعَمَ أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ حَقَّهُ فِيهِ إذْ قَالَ قَدْ عَفَوْته عَلَى مَالٍ, وَأَنْكَرَ الَّذِي عَلَيْهِ الْقِصَاصُ الْمَالَ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ, وَإِذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الشَّيْءِ فِي يَدَيْ الرَّجُلِ فَسَأَلَ الْمُقَامُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ الْحَاكِمَ أَنْ يُحَلِّفَهُ لَهُ مَعَ بَيِّنَتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إحْلاَفُهُ مَعَ الْبَيِّنَةِ إذَا كَانَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا, فَإِنْ قَالَ قَدْ عَلِمَ غَيْرَ مَا شَهِدَتْ بِهِ بَيِّنَتُهُ مِنْ أَنَّهُ قَدْ أَخْرَجَهُ إلَى مَنْ مَلَكَهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ أَوْ قَدْ أَخْرَجَهُ إلَى مَنْ أَخْرَجَهُ إلَيَّ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ لِأَنَّ هَذِهِ دَعْوَى غَيْرُ مَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَدْ تَكُونُ صَادِقَةً بِأَنَّهُ لَهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ, وَيُخْرِجُهُ هُوَ بِلاَ عِلْمِ الْبَيِّنَةِ فَتَكُونُ هَذِهِ يَمِينًا مِنْ غَيْرِ جِهَةٍ مَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ فَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ لِرَجُلٍ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ دَارُهُ مَاتَ, وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا, وَوَرِثَهُ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ لاَ وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُمَا فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ, وَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَوَقَّيَا فَيَقُولاَنِ لاَ نَعْلَمُهَا خَرَجَتْ مِنْ يَدِهِ. وَلاَ نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا لِأَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ خَرَجَتْ مِنْ يَدَيْهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِمَا, وَيَدَّعِي وَارِثًا بِغَيْرِ عِلْمِهِمَا غَيْرَ مَنْ سَمَّيَا فَإِنَّمَا أَجَزْنَا الشَّهَادَةَ عَلَى الْبَتِّ, وَقَدْ يُمْكِنُ خِلاَفُهُ بِمَعْنَى أَنَّ الْبَتَّ فِيهَا هُوَ الْعِلْمُ, وَذَلِكَ أَنَّهُ لاَ يُعْلَمُ هَذَا شَاهِدٌ أَبَدًا, وَلاَ يَنْبَغِي فِي هَذَا غَيْرُ هَذَا, وَإِلَّا تَعَطَّلَتْ الشَّهَادَاتُ أَلاَ تَرَى أَنِّي قَبِلْت قَوْلَ الشَّاهِدِ إنَّ هَذِهِ الدَّارَ دَارُهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا فَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ دَارِهِ بِكُلِّ وَجْهٍ بِأَنْ يُخْرِجَهَا هُوَ مِنْ مِلْكِهِ أَوْ يَكُونَ مَلَكَهَا عَنْ غَيْرِ مَالِكٍ أَوْ غَصَبَهَا أَلاَ تَرَى أَنِّي أُجِيزُ الْأَيْمَانَ عَلَى الْأَمْرِ قَدْ يُمْكِنُ غَيْرُهُ فِي الْقَسَامَةِ الَّتِي لَمْ يَحْضُرْهَا الْمُقْسِمُ, وَفِي الْحَقِّ يَكُونُ لِعَبْدِ الرَّجُلِ وَابْنِهِ, وَيُجِيزُهَا مَنْ خَالَفَنَا عَلَى الْبَتِّ فَيَحْلِفُ الرَّجُلُ لَقَدْ بَاعَ هَذَا الْعَبْدَ بَرِيئًا مِنْ الْإِبَاقِ, وَبَرِيئًا مِنْ الْعُيُوبِ, وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَبَقَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ, وَيَكُونَ عِنْدَهُ هَذَا الْعَيْبُ بِغَيْرِ عِلْمِهِ, وَأَقْبَلُ الشَّهَادَةَ عَلَى الْبَتِّ وَالْعِلْمِ مَعًا, وَمَعْنَى الْبَتِّ مَعْنَى الْعِلْمِ إذَا كَانَ لاَ يُمْكِنُ فِي الْبَتِّ إلَّا الْعِلْمُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَلِلرَّجُلِ أَنْ يُكْرِيَ دَارِهِ, وَيُؤَاجِرَ عَبْدَهُ يَوْمًا وَثَلاَثِينَ سَنَةً لاَ فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُسَلَّطًا عَلَى أَنْ يُخْرِجَ رَقَبَةَ دَارِهِ, وَرَقَبَةَ عَبْدِهِ إلَى غَيْرِهِ بِعِوَضٍ, وَغَيْرِ عِوَضٍ لَمْ يَكُنْ مَمْنُوعًا أَنْ يُخْرِجَ إلَيْهِ مَنْفَعَتَهُمَا وَمَنْفَعَتُهَا أَقَلُّ مِنْ رِقَابِهِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى فَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ لِقَوْمٍ أَنَّ أَبَاهُمْ كَانَ أَسْلَفَهُ مَالاً, وَأَنَّهُ قَدْ قَضَاهُ وَالِدَهُمْ أَوْ الرَّجُلُ يُقِرُّ بِالدَّيْنِ لِلرَّجُلِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَوْمِ عَلَى وَجْهِ الشُّكْرِ لِلَّذِي أَسْلَفَهُ يَحْمَدُهُ بِذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ أَقْرَضَهُ, وَقَضَاهُ قَالَ الرَّبِيعُ لَمْ يَجِئْ بِالْجَوَابِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا تَكَارَى الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الدَّارَ بِعِشْرِينَ دِينَارًا عَلَى أَنَّ الدَّارَ إنْ احْتَاجَتْ إلَى مَرَمَّةٍ رَمَّهَا الْمُكْتَرِي مِنْ الْعِشْرِينَ الدِّينَارِ قَالَ أَكْرَهُ هَذَا الْكِرَاءَ مِنْ قِبَلِ شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْمُكْتَرِي أَمِينَ نَفْسِهِ إنْ أَرَادَ الْمُكْرِي أَنْ يَرُمَّهَا, وَيَمْنَعَ الْمُكْتَرِي أَنْ يَرُمَّهَا كَانَ لَمْ يَفِ لَهُ بِشَرْطِهِ, وَإِنْ جَبَرْت الْمُكْرِي عَلَى أَنْ يَرُمَّهَا الْمُكْتَرِي كَانَ قَدْ يَرُمُّهَا بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ, وَلَمْ يُعْقَدْ لَهُ وَكَالَةٌ عَلَى شَيْءٍ يَعْرِفُهُ بَعْدَ مَا كَانَ, وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنَّهَا قَدْ تَحْتَاجُ إلَى مَرَمَّةٍ لاَ يَضُرُّ بِالسَّاكِنِ تَرْكُهَا, وَإِنَّمَا يَلْزَمُ رَبَّ الدَّارِ مَرَمَّةُ مَا يَضُرُّ بِالسَّاكِنِ تَرْكُهُ فَإِنْ وَقَعَ الْكِرَاءُ عَلَى هَذَا فَسَخْنَاهُ قَبْلَ السَّكَنِ وَبَعْدَهُ, وَقَبْلَ النَّفَقَةِ وَبَعْدَهَا فَإِنْ أَنْفَقَ فِيهَا أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ, فَإِنْ بَلَغَ الْعِشْرِينَ أَوْ زَادَ عَلَيْهَا فَهُوَ مُتَعَدٍّ فَإِنْ كَانَ أَدْخَلَ فِيهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا قِيلَ لَهُ اُنْقُضْهُ فَأَخْرِجْهُ إنْ شِئْت, وَإِنْ شِئْت فَدَعْهُ, وَعَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِ الدَّارِ إذَا سَكَنَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا ادَّعَى الرَّجُلُ دَارًا فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا دَارُ أَبِيهِ كَانَ أَصَحُّ لِلْبَيِّنَةِ أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا فَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا بِهَا, وَشَهِدُوا أَنَّهَا دَارُ أَبِيهِ كَانَ يَمْلِكُهَا لاَ يَزِيدُونَ عَلَى ذَلِكَ قَضَيْنَا لِأَبِيهِ, وَلاَ نَدْفَعُ إلَيْهِ مِيرَاثَهُ, وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ حَيًّا تَرَكْنَا الدَّارَ فِي يَدَيْ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ حَتَّى يُوَكِّلَ أَوْ يَحْضُرَ فَيَنْظُرَ مَا يَقُولُ, فَإِنْ مَاتَ أَبُوهُ أَوْ كَانَ يَوْمَ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ مَيِّتًا كَلَّفْنَا ابْنَهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى عَدَدِ وَرَثَتِهِ ثُمَّ قَضَيْنَا بِهَا لَهُمْ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ فَإِنْ جَاءَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ, وَلَمْ يَأْتِ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى عَدَدِ وَرَثَتِهِ وَقَفْنَاهَا, وَعَرَفْنَا غَلَّتَهَا حَتَّى تَعْرِفَ وَرَثَتُهُ فَإِنْ ادَّعَوْهَا دَفَعْنَاهَا إلَيْهِمْ وَغَلَّتَهَا فَإِنْ ادَّعَاهَا بَعْضُهُمْ, وَكَذَّبَ بَعْضُهُمْ الشُّهُودَ رَدَدْنَا حِصَّةَ مَنْ أَكْذَبَ الشُّهُودَ مِنْ الدَّارِ وَالْغَلَّةِ, وَأَنْفَذْنَا حِصَّةَ مَنْ ادَّعَى قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا قَالَ رَجُلٌ مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ ابْنُ الْفَاعِلَةِ فَبِئْسَ مَا قَالَ, وَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ, وَلَوْ كَانَ الْمَسْجِدُ جَامِعًا يُصَلِّي فِيهِ انْبَغَى أَنْ يُعَزَّرَ, وَإِنَّمَا مَنَعْنَا مِنْ حَدِّهِ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ قَصْدَ أَحَدٍ بِعَيْنِهِ بِفِرْيَةٍ, وَأَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ لاَ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ مَنْ لَهُ حَدُّ فِرْيَةٍ, وَهَكَذَا لَوْ قَالَ مَنْ رَمَانِي بِحَجَرٍ أَوْ شَتَمَنِي أَوْ أَعْطَانِي دِرْهَمًا أَوْ أَعَانَنِي فَهُوَ ابْنُ كَذَا وَكَذَا لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا حَدٌّ, وَإِنَّمَا قُلْت هَذَا مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قَالَ مَنْ فَعَلَ بِي مِنْ قَبْلِ أَنْ يُفْعَلَ بِهِ, وَهَذَا قِيَاسٌ عَلَى الْعِتْقِ قَبْلَ الْمِلْكِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِنْ أُصِيبَ رَجُلٌ بِرَمْيَةٍ فَشَجَّهُ مُوضِحَةً فَقَالَ مَنْ رَمَانِي فَهُوَ ابْنُ كَذَا لِفِرْيَةٍ فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا رَمَيْتُك صُدِّقَ عَلَى نَفْسِهِ, وَكَانَ عَلَيْهِ أَرْشُ الشَّجَّةِ أَوْ الْقِصَاصُ فِيهَا إنْ كَانَ عَمْدًا أَوْ الْأَرْشُ إنْ كَانَ خَطَأً, وَلاَ يُصَدَّقُ عَلَى الَّذِي افْتَرَى عَلَيْهِ إنْ قَالَ الْمُفْتَرِي الْمَشْجُوجُ مَا قَصَدْت قَصْدَ هَذَا بِفِرْيَةٍ, وَلاَ عَلِمْته رَمَانِي, وَإِذَا أَقَرَّ لِي بِأَنَّهُ شَجَّنِي فَأَنَا آخُذُ مِنْهُ أَرْشَ شَجَّتِي, وَإِنْ قَالَ قَدْ عَلِمْت حِينَ رَمَانِي أَنَّهُ رَمَانِي فَافْتَرَيْت عَلَيْهِ بَعْدَ الْعِلْمِ لَمْ آخُذْ مِنْهُ حَقَّهُ فِي الشَّجَّةِ, وَلاَ حَدَّ لَهُ, فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ لِمَ لاَ تَحُدُّهُ وَقَدْ كَانَ الْكَلاَمُ بَعْدَمَا كَانَ الْفِعْلُ؟ قِيلَ إنَّ الْكَلاَمَ كَانَ غَيْرَ مَقْصُودٍ بِهِ الْقَذْفُ, وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} فَكَانَ بَيِّنًا أَنَّ الْمَأْمُورَ بِجَلْدِهِ ثَمَانِينَ هُوَ مَنْ قَصَدَ قَصْدَ مُحْصَنَةٍ بِقَذْفٍ لاَ مَنْ وَقَعَ قَذْفُهُ عَلَى مُحْصَنَةٍ بِحَالٍ, أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ يُحَدُّ مَنْ كَانَ لَمْ يَقْصِدْ قَصْدَ الْقَذْفِ إذَا وَقَعَ الْقَذْفُ بِمِثْلِ مَا تَقَعُ بِهِ الْأَيْمَانُ فَقَالَ قَائِلٌ إنْ كَانَ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ الْكُوفَةِ ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْهَا السَّاعَةَ فَهُوَ ابْنُ كَذَا فَقَدِمَ تِلْكَ السَّاعَةَ رَجُلٌ حُرٌّ مُسْلِمٌ كَانَ عَلَيْهِ الْحَدُّ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْقَذْفَ كَانَ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْكُوفَةِ, وَكَانَ الْقُدُومُ بَعْدَهُ, وَالْقُدُومُ لاَ يَكُونُ إلَّا وَالْخُرُوجُ مُتَقَدِّمٌ لَهُ قَبْلَ الْكَلاَمِ بِالْقَذْفِ, وَهَذَا لاَ حَدَّ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ لاَ يَقْدَمَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ, وَأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ قَصْدَهُ بِقَذْفٍ, وَلَوْ كَانَ الْحَدُّ يَقَعُ بِمَا تَقَعُ بِهِ الْأَيْمَانُ كَانَ الرَّجُلُ لَوْ قَالَ: غُلاَمِي حُرٌّ إنْ ضَرَبَنِي أَوْ إنْ أَطَاعَنِي أَوْ إنْ عَصَانِي فَفَعَلَ مِنْ هَذَا شَيْئًا كَانَ حُرًّا, وَلَوْ قَالَ مَنْ ضَرَبَنِي فَهُوَ ابْنُ كَذَا فَضَرَبَهُ رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَدٌّ, وَلاَ يَجُوزُ فِيهِ, وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إلَّا مَا قُلْت مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ قَصَدَ قَصْدَ أَحَدٍ بِالْفِرْيَةِ أَوْ يَكُونُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ وَقَعَتْ فِرْيَتُهُ بِحَالٍ كَمَا تَقَعُ الْأَيْمَانُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَلاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ وَلاَ مُنْفَرِدَاتٍ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ أَنْ يَشْهَدْنَ عَلَى مَالٍ لاَ غَيْرِهِ مَعَ رَجُلٍ أَوْ يَشْهَدْنَ عَلَى مَا يَغِيبُ مِنْ أَمْرِ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ فَإِنْ شَهِدَتْ امْرَأَتَانِ مَعَ رَجُلٍ أَنَّهُمَا سَمِعَتَا فُلاَنًا يُقِرُّ بِأَنَّ هَذَا ابْنُهُ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُنَّ لِأَنَّ هَذَا لاَ يَثْبُتُ بِهِ مَالٌ إلَّا وَقَدْ تَقَدَّمَهُ ثُبُوتُ نَسَبٍ, وَلَيْسَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُنَّ عَلَى الْأَنْسَابِ, وَلاَ فِي مَوْضِعٍ إلَّا حَيْثُ ذَكَرْت, وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ النَّسَبُ لَمْ نُعْطِهِ الْمَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا أَقَامَ الرَّجُلُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ الَّتِي فِي يَدَيْ هَذَا الرَّجُلِ دَارُ أَبِيهِ مَاتَ حُرًّا مُسْلِمًا, وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا غَيْرَ أَنَّا لاَ نَعْرِفُ كَمْ عَدَدُ وَرَثَتِهِ, وَنَشْهَدُ أَنَّ هَذَا أَحَدُهُمْ قَضَيْنَا بِهَا لِلْمَيِّتِ عَلَى الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ لِأَنَّا نَقْضِي لِلْمَيِّتِ بِمَحْضَرِ الْوَارِثِ الْوَاحِدِ, وَنَقِفُ حَقَّ الْغَيْبِ حَتَّى يَأْتُوا أَوْ يُوَكِّلُوا أَوْ يَمُوتُوا فَتَقُومَ وَرَثَتُهُمْ مَقَامَهُمْ, وَنَقِفُ هَذِهِ الدَّارَ وَنَسْتَغِلُّهَا, وَلاَ نَقْضِي لِهَذَا الْحَاضِرِ مِنْهَا بِشَيْءٍ لِأَنَّا لاَ نَدْرِي أَحِصَّتُهُ مِنْهَا الْكُلُّ أَوْ النِّصْفُ أَوْ جُزْءٌ مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ أَوْ أَقَلُّ, وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نُعْطِيهِ شَيْئًا, وَنَحْنُ لاَ نَدْرِي لَعَلَّهُ لَيْسَ لَهُ, وَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أَعْطَيْنَاهُ بِمَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ, وَسَلَّمْنَا لَهُ حِصَّتَهُ مِنْ الْغَلَّةِ وَالدَّارِ فَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ كَانَ ذَلِكَ مَوْقُوفًا, وَسَوَاءٌ طَالَ الزَّمَانُ فِي ذَلِكَ أَوْ قَصُرَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ أَفَرَأَيْت الرَّجُلَ يَمُوتُ وَعَلَيْهِ الدَّيْنُ فَتَحْضُرُ غُرَمَاؤُهُ فَيَثْبُتُونَ عَلَى دُيُونِهِمْ, وَيَحْلِفُونَ, وَتَصِحُّ فِي دَيْنِهِ كَيْفَ تَقْضِي لِهَؤُلاَءِ, وَأَنْتَ لاَ تَدْرِي لَعَلَّ لَهُ غُرَمَاءَ لَهُمْ أَكْثَرَ مِمَّا لِهَؤُلاَءِ فَلاَ يُصِيبُ هَؤُلاَءِ مِثْلَ مَا تَقْضِي لَهُمْ فَإِنْ جَاءَ غَيْرُهُمْ مِنْ غُرَمَائِهِ أَدْخَلْتهمْ عَلَيْهِمْ؟ قِيلَ لِافْتِرَاقِ الدَّيْنِ وَالْمِيرَاثِ, فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَأَيْنَ افْتِرَاقُهُمَا؟ قِيلَ الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا يَجِبُ فِي الْحَيَاةِ مِثْلَ الَّذِي يَجِبُ فِي الْوَفَاةِ, وَلاَ يَخْرُجُ ذُو الدَّيْنِ حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ, وَلاَ فِي الْحُكْمِ إلَّا أَنْ يُؤَدِّيَ دَيْنَهُ, وَلَوْ كَانَ حَيًّا فَدَفَعَ إلَى أَحَدِ غُرَمَائِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ غُرَمَائِهِ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ لِأَنَّ أَصْلَ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ, وَأَهْلُ الدَّيْنِ أَحَقُّ بِمَالِ ذِي الدَّيْنِ حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا مِنْهُ وَمِنْ وَرَثَتِهِ بَعْدَهُ, وَالدَّيْنُ مُطْلَقٌ كُلُّهُ لاَ بَعْضُهُ فِي ذِمَّتِهِ, وَالْوَرَثَةُ لَيْسُوا يَسْتَحِقُّونَ, وَذُو الْمَالِ عَلَى شَيْءٍ, وَإِنَّمَا نَقَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلَيْهِمْ مَا كَانَ الْمَيِّتُ مَالِكًا الْفَضْلَ عَنْ الدَّيْنِ, وَأُدْخِلَ عَلَيْهِمْ أَهْلُ الْوَصَايَا فَإِنْ وَجَدُوا فَضْلاً مَلَكُوا مَا وَجَدُوا بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ لاَ بِشَيْءٍ كَانَ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ, وَإِنْ لَمْ يَجِدُوا لَمْ يَكُنْ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ لَهُمْ شَيْءٌ, وَلَمْ يَكُنْ آثِمًا بِأَنْ لَمْ يَجِدُوا شَيْئًا, وَلاَ مَتْبُوعًا كَمَا يَكُونُ مَتْبُوعًا بِالدَّيْنِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ شَيْءٌ يُتْبَعُ بِهِ بِكُلِّ حَالٍ, وَكَانَ إنَّمَا فُرِضَ لَهُمْ شَيْءٌ لاَ يُزَادُونَ عَلَيْهِ, وَلاَ يَنْقُصُونَ مِنْهُ, إنَّمَا هُوَ جُزْءٌ مِمَّا وَجَدُوا قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ أَصْلُ حَقٍّ يُعْطُونَ بِهِ إلَّا عَلَى مَا وَصَفْت لَمْ يَجُزْ لَهُمْ أَنْ يَكُونَ الْمِلْكُ مَنْقُولاً إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَّا وَمِلْكُهُ مَعْرُوفٌ, وَإِنْ وَرَدَ هَذَا عَلَى الْحَاكِمِ كَشَفَهُ, وَكَتَبَ إلَى الْبَلَدِ الَّذِي انْتَوَى بِهِ الْمَيِّتُ, وَطَلَبَ لَهُ وَارِثًا, فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَإِنَّمَا مَالُهُ مَوْقُوفٌ فندعوا الطَّالِبَ لِمِيرَاثِهِ بِثِقَةٍ كَمَنْ يَرْضَى هُوَ أَنْ يَقِفَ الْأَمْوَالَ عَلَى يَدَيْهِ فَإِذَا ضَمِنَ عَنْهُ مَا دُفِعَ إلَيْهِ دَفَعَهُ إلَيْهِ, وَلَمْ يَكُنْ هَذَا ظُلْمًا لِغَائِبٍ إنْ جَاءَ, وَلاَ حَبْسًا عَنْ حَاضِرٍ, وَإِذَا كَانَ الْمَالُ مَضْمُونًا عَلَى ثِقَةٍ كَانَ خَيْرًا لِلْغَائِبِ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَمَانَةً عِنْدَ ثِقَةٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا أَقَامَ الرَّجُلُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَ هَذِهِ الدَّارَ, وَأَنَّهُ لاَ وَارِثَ لِأَبِيهِ غَيْرُهُ قَضَى لَهُ بِالدَّارِ, وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ بِذَلِكَ كَفِيلٌ, وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا بَاعَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ عَبْدًا أَوْ شَيْئًا مَا كَانَ بَيْعًا حَرَامًا, وَقَبَضَ الْمُبْتَاعُ مَا اشْتَرَى فَهَلَكَ فِي يَدَيْهِ كَانَ عَلَيْهِ رَدُّ قِيمَتِهِ, وَذَلِكَ أَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهِ إلَّا عَلَى عِوَضٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُ فَلَمَّا كَانَ الْعِوَضُ غَيْرَ جَائِزٍ كَانَ عَلَى الْمُبْتَاعِ رَدُّ مَا أَخَذَ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لِلْبَائِعِ الْعِوَضَ, وَلَمْ يَكُنْ أَصْلُهُ أَمَانَةً, وَلَوْ بَاعَهُ عَبْدًا عَلَى أَنَّ الْمُبْتَاعَ بِالْخِيَارِ فَقَبَضَهُ الْمُبْتَاعُ فَمَاتَ فِي يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ الْبَيْعَ أَوْ يَمْضِيَ أَجَلُ الْخِيَارِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ الْقِيمَةَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ هَلْ تَمَّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا, وَفِيهِ خِيَارٌ؟ قِيلَ كَانَ أَصْلُ الْبَيْعِ حَلاَلاً لَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي جَازَ عِتْقُهُ أَوْ كَانَتْ أَمَةً حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا, وَلَوْ أَرَادَ بَيْعَهَا كَانَ لَهُ, وَكَانَ مَالِكًا صَحِيحَ الْمِلْكِ إلَّا أَنَّ لَهُ إنْ شَاءَ رَدَّ الْمِلْكِ بِالشَّرْطِ, وَلَمْ يَكُنْ أَخْذُهُ أَمَانَةً, وَلاَ أَخَذَهُ إلَّا عَلَى أَنْ يُوفِيَ الْبَائِعُ ثَمَنَهُ أَوْ يَرُدَّ إلَيْهِ عَبْدَهُ, وَلَمْ يَكُنْ أَخْذُهُ عَلَى مُحَرَّمٍ مِنْ الْبُيُوعِ فَلَمَّا لَزِمَ الْآخِذَ لِلْعَبْدِ عَلَى الْمُحَرَّمِ أَنْ يَرُدَّ الْقِيمَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْطِ الْعَبْدَ أَمَانَةً وَلاَ هِبَةً, وَلَمْ يُعْطِهِ إلَّا بِعِوَضٍ فَلَمَّا لَمْ يَسْتَحِقَّ الْعِوَضَ كَانَ عَلَى الْمُبْتَاعِ رَدُّهُ إنْ كَانَ حَيًّا, وَقِيمَتُهُ إنْ كَانَ مَيِّتًا كَانَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْخِيَارِ فِي هَذَا الْمَعْنَى فِي أَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْ أَمَانَةً, وَلاَ هِبَةً إلَّا بِعِوَضٍ يُسَلِّمُ لِلْبَائِعِ فَلَمَّا لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ كَانَ عَلَى الْقَابِضِ لَهُ رَدُّهُ حَيًّا, وَرَدُّ قِيمَتِهِ مَيِّتًا, وَكَانَ يُرِيدُ أَنَّ أَصْلَ الْبَيْعِ وَالثَّمَنِ كَانَ حَلاَلاً فَكَيْفَ يَبْطُلُ ثَمَنُ الْحَلاَلِ, وَيَثْبُتُ ثَمَنُ الْحَرَامِ؟ وَهَكَذَا لَوْ كَانَ الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ أَوْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا مَعًا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يُسَلِّمْ قَطُّ عَبْدَهُ إلَّا عَلَى أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ أَوْ ثَمَنُهُ, وَإِنَّمَا مَنَعْنَا أَنْ نَجْعَلَ لَهُ الثَّمَنَ لاَ الْقِيمَةَ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ شَرَطَ فِيهِ شَيْئًا فَلَمَّا كَانَ لَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ لاَزِمًا بِكُلِّ حَالٍ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لاَزِمًا بِكُلِّ حَالٍ فَفَاتَ رَدَدْنَاهُ إلَى الْقِيمَة قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ زَوْجَةٌ, وَابْنٌ مِنْهَا, وَكَانَ لِزَوْجَتِهِ أَخٌ فَتَرَافَعُوا إلَى الْقَاضِي فَتَصَادَقُوا عَلَى أَنَّ الزَّوْجَةَ وَالِابْنَ قَدْ مَاتَا, وَتَدَاعَيَا فَقَالَ الْأَخُ مَاتَ الِابْنُ ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمُّ فَلاَ مِيرَاثَ لَهَا مَعَ زَوْجِهَا, وَقَالَ الزَّوْجُ بَلْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ فَأَحْرَزَ ابْنِي مَعِي مِيرَاثَهَا ثُمَّ مَاتَ ابْنِي فَلاَ حَقَّ لَك فِي مِيرَاثِهِ, وَلاَ بَيِّنَةَ بَيْنَهُمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَخِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ الْآنَ قَائِمٌ, وَأُخْتُهُ مَيِّتَةٌ فَهُوَ وَارِثٌ, وَعَلَى الَّذِي يَدَّعِي أَنَّهُ مَحْجُوبُ الْبَيِّنَةِ, وَلاَ أَدْفَعُ الْيَقِينَ إلَّا بِيَقِينٍ فَإِنْ كَانَ ابْنُهَا تَرَكَ مَالاً فَقَالَ الْأَخُ آخُذُ حِصَّتِي مِنْ مَالِ أُخْتِي مِنْ مِيرَاثِهَا مِنْ ابْنِهَا كَانَ الْأَخُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ هُوَ الْمُدَّعِي مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ يُرِيدُ أَخْذَ شَيْءٍ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ لاَ يَكُونَ كَمَا قَالَ فَكَمَا لَمْ أَدْفَعْ أَنَّهُ وَارِثٌ لِأَنَّهُ يَقِينٌ بِظَنٍّ أَنَّ الِابْنَ حَجَبَهُ فَكَذَلِكَ لَمْ أُوَرِّثُهُ مِنْ الِابْنِ لِأَنَّ الْأَبَ يَقِينٌ, وَهُوَ ظَنٌّ, وَعَلَى الْأَبِ الْيَمِينُ, وَعَلَى الْأَخِ الْبَيِّنَةُ إذَا حَضَرَ أَخَوَانِ مُسْلِمٌ وَنَصْرَانِيٌّ فَتَصَادَقَا أَنَّ أَبَاهُمَا مَاتَ, وَتَرَكَ هَذِهِ الدَّارَ مِيرَاثًا, وَقَالَ الْمُسْلِمُ مَاتَ مُسْلِمًا, وَقَالَ النَّصْرَانِيُّ مَاتَ نَصْرَانِيًّا سُئِلاَ فَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ نَصْرَانِيًّا ثُمَّ قَالَ الْمُسْلِمُ أَسْلَمَ بَعْدُ. قِيلَ الْمَالُ لِلنَّصْرَانِيِّ لِأَنَّ النَّاسَ عَلَى أَصْلِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ انْتَقَلَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فَإِنْ ثَبَتَ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ أَسْلَمَ, وَمَاتَ مُسْلِمًا كَانَ الْمِيرَاثُ لِلْمُسْلِمِ, وَإِنْ قَالَ لَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا, وَقَالَ النَّصْرَانِيُّ لَمْ يَزَلْ نَصْرَانِيًّا وَقَفْنَا الْمَالَ أَبَدًا حَتَّى يُعْلَمَ أَوْ يَصْطَلِحَا فَإِذَا أَقَامَ النَّصْرَانِيُّ بَيِّنَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ كَانَ نَصْرَانِيًّا, وَمَاتَ نَصْرَانِيًّا كَانَ الْمِيرَاثُ لَهُ دُونَ الْمُسْلِمِ. وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ فَفِيهَا قَوْلاَنِ أَحَدُهُمَا قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الْأَوَّلُ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يَرْوِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقُولُ بِهِ, وَهُوَ قَضَاءُ مَرْوَانَ بِالْمَدِينَةِ وَابْنُ الزُّبَيْرِ, وَهُوَ يَرْوِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله تعالى عنه وَهُوَ أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُمَا فَأَيُّهُمَا خَرَجَ سَهْمُهُ أُحَلِّفُهُ, وَجُعِلَ لَهُ الْمِيرَاثُ, وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ فَمَنْ حُجَّتُهُ مَا وَصَفْت, وَمَنْ حُجَّتُهُ أَنَّهُ قِيَاسٌ عَلَى أَنَّ أَمْرَهُمَا فِي الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَاحِدٌ فَلَمَّا كُنْت لاَ أَشُكُّ أَنَّ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ كَاذِبَةٌ بِغَيْرِ عَيْنِهَا أَقْرَعْت خَبَرًا, وَقِيَاسًا عَلَى أَنَّ رَجُلاً أَعْتَقَ مَمْلُوكَيْنِ لَهُ فَأَقْرَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا, وَحُجَّتُهُمْ وَاحِدَةٌ, وَعَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَّمَ خَيْبَرَ ثُمَّ أَقْرَعَ, وَعَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَوَجَدْته يُقْرِعُ حَيْثُ تَسْتَوِي الْحُجَجُ ثُمَّ يَجْعَلُ الْحَقَّ لِبَعْضٍ, وَيُزِيلُ حَقَّ بَعْضٍ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنْ يُجْعَلَ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُ لاَ حُجَّةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا, وَلاَ بَيِّنَةَ إلَّا حُجَّةُ صَاحِبِهِ, وَبَيِّنَتُهُ فَلَمَّا اسْتَوَيَا فِيمَا يَتَدَاعَيَانِ سُوِّيَ بَيْنَهُمَا, وَجَعَلَهُ قَسْمًا بَيْنَهُمَا, وَمِنْ حُجَّةِ هَذَا أَنْ يَحْتَجَّ بِعَوْلِ الْفَائِضِ فَيَقُولَ قَدْ أَجِدُ فِي الْفَرِيضَةِ نِصْفًا وَنِصْفًا وَثُلُثًا فَأَضْرِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ مَا قُسِمَ لَهُ فَأَكُونُ قَدْ أَوْفَيْته عَلَى أَصْلِ مَا جُعِلَ لَهُ, وَإِنْ دَخَلَ النَّقْصُ عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ فَكَذَلِكَ دَخَلَ عَلَى غَيْرِهِ بِهِ, وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْتَجَّ عَلَى مَنْ احْتَجَّ بِهَذَا احْتَجَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ هَؤُلاَءِ قَوْمٌ قَدْ نَقَلَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِمْ الْمِلْكَ فَكُلُّ صَادِقٍ لَيْسَ مِنْهُمْ كَاذِبٌ بِحَالٍ. وَالْمَشْهُودُ لَهُ بِخِلاَفِ مَا شَهِدَ بِهِ لِصَاحِبِهِ يُحِيطُ الْعِلْمَ بِأَنَّ إحْدَى الشَّهَادَتَيْنِ كَاذِبَةٌ, وَالْعِلْمُ يُحِيطُ أَنَّ أَحْسَنَ أَحْوَالِ الْمُسْتَحِقِّ بِالشَّهَادَةِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْمُسْتَحَقِّينَ بِهَا مُحِقًّا, وَالْآخَرُ مُبْطِلاً فَإِذَا خَرَجَ النِّصْفُ إلَى أَحَدِهِمَا أَحَاطَ الْعِلْمَ بِأَنَّهُ قَدْ أَعْطَى نِصْفًا مَنْ لاَ شَيْءَ لَهُ, وَمَنَعَ نِصْفًا مَنْ كَانَ لَهُ الْكُلُّ فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَنْ عَمَدَ أَنْ أَعْطَى أَحَدَهُمَا مَا لَيْسَ لَهُ, وَنَقَصَ أَحَدَهُمَا مِمَّا لَهُ فَإِنْ قَالَ قَدْ يَدْخُلُ عَلَيْك فِي الْقُرْعَةِ أَنْ تُعْطِيَ أَحَدَهُمَا الْكُلَّ, وَلَعَلَّهُ لَيْسَ لَهُ؟ قِيلَ فَأَنَا لَمْ أَقْصِدْ قَصْدَ أَنْ أُعْطِيَ أَحَدَهُمَا بِعَيْنِهِ إنَّمَا قَصَدْت قَصْدَ الِاجْتِهَادِ فِي أَنْ أُعْطِيَ الْحَقَّ مَنْ هُوَ لَهُ وَأَمْنَعَهُ مَنْ لَيْسَ لَهُ كَمَا أَقْصِدُ قَصْدَ الِاجْتِهَادِ فِيمَا أَشْكَلَ مِنْ الرَّأْيِ فَأُعْطِيَ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ الْحَقَّ كُلَّهُ, وَأَمْنَعَهُ الْآخَرَ عَلَى غَيْرِ إحَاطَةٍ مِنْ الصَّوَابِ, وَيَكُونُ الْخَطَأُ عَنِّي مَرْفُوعًا فِي الِاجْتِهَادِ, وَلاَ أَكُونُ مُخْطِئًا بِالِاجْتِهَادِ, وَلاَ يَجُوزُ لِي عَمْدُ الْبَاطِلِ بِكُلِّ حَالٍ إذَا كُنْت آتِيهِ, وَأَنَا أَعْرِفُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَهَذَا مِمَّا أَسْتَخِيرُ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ, وَأَنَا فِيهِ وَاقِفٌ ثُمَّ قَالَ لاَ نُعْطِي وَاحِدًا مِنْهُمَا شَيْئًا يُوقَفُ حَتَّى يَصْطَلِحَا (قَالَ الرَّبِيعُ) هُوَ آخِرُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ, وَهُوَ أَصْوَبُهُمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا تَصَدَّقَ الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ بِدَارٍ أَوْ وَهَبَهَا لَهُ أَوْ نَحَلَهُ إيَّاهَا فَلَمْ يَقْبِضْهَا الْمُتَصَدَّقُ بِهَا عَلَيْهِ, وَلاَ الْمَوْهُوبَةُ لَهُ, وَلاَ الْمَنْحُولُ فَهَذَا كُلُّهُ وَاحِدٌ لاَ يَخْتَلِفُ, وَلِمَالِكِ الدَّارِ الْمُتَصَدِّقِ بِهَا وَالْوَاهِبِ وَالنَّاحِلِ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا أَعْطَى قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمُعْطَى, وَلاَ يَتِمُّ شَيْءٌ مِنْ هَذَا إلَّا بِقَوْلِ النَّاحِلِ وَقَبْضِ الْمَنْحُولِ بِأَمْرِ النَّاحِلِ, وَإِنْ مَاتَ الْمَنْحُولُ قَبْلَ الْقَبْضِ قِيلَ لِلنَّاحِلِ أَنْتَ أَحَقُّ بِمَالِك حَتَّى يَخْرُجَ مِنْك فَإِذَا مَاتَ الْمَنْحُولُ فَأَنْتَ عَلَى مِلْكِك, وَإِنْ شِئْت أَنْ تَسْتَأْنِفَ فِيهِ عَطَاءً جَدِيدًا فَافْعَلْ, وَإِنْ شِئْت أَنْ تَحْبِسَهُ فَاحْبِسْ, وَهَكَذَا كُلُّ مَا أَعْطَى آدَمِيٌّ آدَمِيًّا عَلَى غَيْرِ عِوَضٍ إلَّا مَا إذَا أَعْطَاهُ الْمَالِكُ لَمْ يَحِلَّ لِلْمَالِكِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْ فِيهِ مِنْ الْكَلاَمِ أَنْ يَحْبِسَهُ قَبَضَهُ الْمُعْطَى أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ أَوْ رَدَّهُ أَوْ لَمْ يَرُدَّهُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا هَذَا؟ قِيلَ إذَا أَعْتَقَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ فَقَدْ أَخْرَجَهُ مِنْ مِلْكِهِ, وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَمْلِكَهُ, وَلَوْ رَدَّ ذَلِكَ الْعَبْدُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا حَبَسَ الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ الشَّيْءَ وَجَعَلَهُ مُحَرَّمًا لاَ يُبَاعُ, وَلاَ يُوهَبُ فَقَدْ أَخْرَجَهُ مِنْ مِلْكِهِ خُرُوجًا لاَ يَحِلُّ أَنْ يَعُودَ فِيهِ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ رَدَّهُ عَلَيْهِ الْمُحْبَسُ عَلَيْهِ بَعْدَ قَبْضِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِلْكُهُ فَلَمَّا كَانَ لاَ يَمْلِكُهُ بِرَدِّ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِ وَلاَ شِرَاءَ, وَلاَ مِيرَاثَ كَانَ مِنْ الْعَطَايَا الَّتِي قَطَعَ عَنْهَا الْمَالِكُ مِلْكَهُ قَطْعَ الْأَبَدِ؟ فَلاَ يُحْتَاجُ أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا, وَسَوَاءٌ قَبَضَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ فَهُوَ لِلْمُحْبَسِ عَلَيْهِ, وَالْحَبْسُ يَتِمُّ بِالْكَلاَمِ دُونَ الْقَبْضِ, وَقَدْ كَتَبْنَا هَذَا فِي كِتَابِ الْحَبْسِ وَبَيَّنَّاهُ وَإِذَا ابْتَاعَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الْجَارِيَةَ فَقَبَضَهَا وَوَلَدَتْ لَهُ وَلَدًا ثُمَّ عَدَا عَلَيْهِ رَجُلٌ فَقَتَلَهُ فَقَضَى عَلَيْهِ بِعَقْلٍ أَوْ قِصَاصٍ أَوْ لَمْ يَقْضِ ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ أَخَذَ الْمُسْتَحِقُّ الْجَارِيَةَ وَقِيمَةَ وَلَدِهَا حِينَ سَقَطَ, وَلاَ يَبْطُلُ الْقِصَاصُ إنْ كَانَ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ, وَإِذَا كَانَتْ دِيَةٌ كَانَتْ لِأَبِيهِ قَبَضَهَا أَوْ لَمْ يَقْبِضْهَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ, وَلَمَّا صَارَتْ لِأَبِيهِ, وَالْوَلَدُ مِنْ الْجَارِيَةِ, وَهُوَ لِلْمُسْتَحِقِّ؟ قِيلَ لَهُ إنَّ الْوَلَدَ لَمَّا دَخَلَ فِي الْغُرُورِ زَايَلَ حُكْمَ الْجَارِيَةِ بِأَنَّهَا تُسْتَرَقُّ, وَلاَ يُسْتَرَقُّ فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِ الرِّقُّ لَمْ يَكُنْ حُكْمُهُ إلَّا حُكْمَ حُرٍّ, وَإِنَّمَا يَرِثُ الْحُرَّ وَارِثُهُ, وَكَانَ سَبِيلُ رَبِّ الْجَارِيَةِ بِأَنَّ الْعِتْقَ كَانَ حُكْمَ وَلَدِهَا أَنْ يَأْخُذَ قِيمَتَهُ مِنْ أَوَّلِ مَا كَانَ لَهُ حُكْمٌ كَمَا كَانَ يَأْخُذُ قِيمَةَ الْفَائِتِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَلَكَهُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَهَذَا قَدْ يَكُونُ غَيْرَ فَائِتٍ, وَأَنْتَ لاَ تَرِقُّهُ قِيلَ لَمَّا كَانَ الْأَثَرُ بِمَا وَصَفْنَا, وَقَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْقِيَاسِ أَنْ لاَ يَجْرِيَ عَلَيْهِ الْمِلْكُ قِيلَ حُكْمُهُمْ فِيهِ حُكْمُهُمْ فِي الْفَائِتِ, وَإِنْ كَانَ غَيْرَ فَائِتٍ, وَإِنْ اقْتَصَّ الْأَبُ مِنْ قَاتِلِ الِابْنِ قَبْلَ أَنْ تُسْتَحَقَّ الْأَمَةُ ضَمِنَ الْقِيمَةَ لِمُسْتَحِقِّ الْأَمَةِ, وَكَذَلِكَ إنْ جَاءَ مُسْتَحِقُّ الْأَمَةِ قَبْلَ الْقِصَاصِ فَلِلْأَبِ أَنْ يَقْتَصَّ, وَيَرُدَّ الْقِيمَةَ, وَلاَ سَبِيلَ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ إلَّا عَلَى قِيمَةِ الِابْنِ, وَلِأَبِي الِابْنِ السَّبِيلُ فِي وَلَدِ الْأَمَةِ كَمَا لَهُ السَّبِيلُ فِي وَلَدِ الْحُرَّةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا ضَرَبَ الرَّجُلُ بَطْنَ الْأَمَةِ الَّتِي غَرَّ بِهَا الْحُرَّ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَمَنْ قَالَ جَنِينُ الرَّجُلِ مِنْ أُمِّ وَلَدِهِ كَجَنِينِ الْحُرَّةِ فَلِأَبِيهِ فِيهِ غُرَّةٌ تُقَوَّمُ بِخَمْسِينَ دِينَارًا, وَإِذَا جَاءَ السَّيِّدُ قِيلَ لَهُ لَك قِيمَةُ وَلَدِ أَمَتِك لَوْ كَانَ مَعْرُوفًا فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا قِيلَ لَهُ تُقَوَّمُ أَمَتُك ثُمَّ نُعْطِيك عُشْرَ قِيمَتِهَا كَمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي جَنِينِهَا ضَامِنًا عَلَى أَبِيهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ أَفَرَأَيْت إنْ كَانَتْ قِيمَةُ جَنِينِ الْأَمَةِ إذَا قُوِّمَ بِأُمِّهِ أَكْثَرَ مِنْ الْغُرَّةِ؟ قِيلَ لَهُ, وَكَذَلِكَ يَغْرَمُ الْأَبُ قِيمَتَهُ إنْ شَاءَ رَبُّ الْأَمَةِ أَلاَ تَرَى أَنَّ الْأَمَةَ لَوْ حَمَلَتْ مِنْ غَيْرِهِ فَضَرَبَ إنْسَانٌ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا كَانَ لِرَبِّهَا عَلَيْهِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ, وَكَذَلِكَ ذَلِكَ عَلَى الْمَغْرُورِ لِأَنَّهُ كَانَ فِي يَدَيْهِ, وَكَذَلِكَ ذَلِكَ عَلَيْهِ لَوْ مَاتَتْ فَشَاءَ رَبُّ الْأَمَةِ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدَيْهِ إلَّا أَنَّ لِلْمَغْرُورِ الرُّجُوعَ عَلَى الْغَارِّ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ الْغُرْمِ بِسَبَبِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَهَكَذَا الرَّجُلُ يَتَزَوَّجُ الْأَمَةَ عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ مِثْلَ الرَّجُلِ يَبْتَاعُ الْأَمَةَ فَتُسْتَحَقُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا ادَّعَى الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ أَنَّهُ غَصَبَهُ عَبْدًا أَوْ صَارَ فِي يَدَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمِلْكِ, وَالْعَبْدُ غَائِبٌ قَبِلَ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الصِّفَةِ وَالِاسْمِ وَالْجِنْسِ, وَلَمْ يَقْضِ بِالْعَبْدِ حَتَّى يُحْضَرَ فَيُعِيدَ الْبَيِّنَةَ فَيَشْهَدُونَ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ بِعَيْنِهِ فَيَقْضِي بِهِ, وَإِنَّمَا قُلْت تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ عَنْ تَعْدِيلِهِمْ مُؤْنَةً تَسْقُطُ عَنْ الْمَشْهُودِ لَهُ, وَلِأَنَّ الْعَبْدَ قَدْ يَحْضُرُ فَيُقِرُّ الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ أَنَّ الْعَبْدَ الَّذِي شَهِدُوا عَلَيْهِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ هَذَا الْعَبْدُ بِعَيْنِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا ادَّعَى الرَّجُلاَنِ الشَّيْءَ لَيْسَ فِي أَيْدِيهمَا, وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ لَهُ فَفِيهَا قَوْلاَنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَأَيُّهُمَا خَرَجَ سَهْمُهُ حَلَفَ لَقَدْ شَهِدَ شُهُودُهُ بِحَقٍّ ثُمَّ يَقْضِي لَهُ بِهَا, وَيَقْطَعُ حَقَّ صَاحِبِهِ مِنْهَا. وَالْآخَرُ أَنَّهُ يَقْضِي بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّ حُجَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ, وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ بِالْقُرْعَةِ, وَيَرْوِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْكُوفِيُّونَ يَرْوُونَهَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله تعالى عنه, وَقَضَى بِهَا مَرْوَانُ, وَقَضَى بِهَا الْأَوْقَصُ (قَالَ الرَّبِيعُ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ الشَّيْءَ إذَا تَدَاعَاهُ رَجُلاَنِ لَمْ يَكُنْ فِي يَدٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ مَوْقُوفٌ حَتَّى يَصْطَلِحَا فِيهِ, وَلَوْ كَانَ فِي أَيْدِيهمَا قَسَمَهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا أَقَامَ الرَّجُلُ بَيِّنَةً عَلَى رَجُلٍ بِأَرْضٍ فِي يَدَيْهِ أَنَّهَا لَهُ, وَعَدَلَتْ الْبَيِّنَةُ وَكَانَ الْقَاضِي يَنْظُرُ فِي الْحُكْمِ وَقَفَهَا, وَمَنَعَ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ مِنْ الْبَيْعِ حَتَّى يَبِينَ لَهُ الْحُكْمُ لِأَحَدِهِمَا فَيَقْضِيَ لَهُ بِهَا, وَيَجْعَلَ الْغَلَّةَ تَبَعًا مِنْ يَوْمِ شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهَا لَهُ, وَإِنْ لَمْ تَعْدِلْ الْبَيِّنَةُ, وَلاَ وَاحِدٌ مِنْهَا أَوْ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ لَمْ تَقْطَعْ بِمَا يَحِقُّ الْحُكْمُ لِلْمَشْهُودِ لَهُ لَوْ عَدَلَتْ تَرَكَهَا فِي يَدَيْ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ غَيْرَ مَوْقُوفَةٍ, وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِمَّا صَنَعَ فِيهَا, وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يُحْدِثَ فِيهَا شَيْئًا فَإِنْ أَحْدَثَهُ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا ادَّعَى الرَّجُلاَنِ الزَّرْعَ فِي الْأَرْضِ لِلرَّجُلِ فَإِنْ زَعَمَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنَّ الزَّرْعَ زَرْعُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ, وَإِنْ زَعَمَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنَّ الزَّرْعَ لَيْسَ لَهُ, وَقَالَ قَدْ أَذِنْت لَهُمَا أَنْ يَزْرَعَا مَعًا, وَلاَ أَعْرِفُ أَيُّهُمَا زَرَعَ, وَلَيْسَ فِي يَدَيْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَإِنْ أَقَامَا مَعًا الْبَيِّنَةَ فَالْقَوْلُ فِيهَا مِثْلُ الْقَوْلِ فِي الرَّجُلَيْنِ يَتَدَاعَيَانِ مَا لَيْسَ فِي أَيْدِيهمَا فَيُقِيمَانِ عَلَيْهِ بَيِّنَةً, وَإِنْ لَمْ يُقِمْ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً, وَأَقَامَ الْآخَرُ فَهُوَ لِلَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ, وَإِنْ ذَكَرَا مَعًا أَنَّهُ فِي أَيْدِيهمَا تَحَالَفَا, وَقَضَى بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ إنْ كَانَ رَبُّ الْأَرْضِ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ, وَأَنَّهُ قَدْ أَذِنَ لَهُمَا بِالزَّرْعِ, وَلَيْسَ لَهُمَا فِيهِ خَصْمٌ, وَهُوَ فِي أَيْدِيهمَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا أَقَامَ الرَّجُلُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْأَمَةِ أَنَّهَا أَمَتُهُ, وَالْآخَرُ بِذَلِكَ, وَأَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ فَمَنْ قَالَ بِالْقُرْعَةِ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ صَارَتْ لِلَّذِي وَلَدَتْ مِنْهُ فَهِيَ لَهُ, وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ, وَإِنْ صَارَتْ لِلَّذِي لَمْ تَلِدْ مِنْهُ فَهِيَ لَهُ, وَيَرْجِعُ عَلَى خَصْمِهِ بِقِيمَةِ وَلَدِهِ يَوْمَ وُلِدَ, وَعُقْرِهَا, وَإِنْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا غَيْرَ أَنَّ الْأَمَةَ هِيَ الَّتِي أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لِفُلاَنٍ الْغَائِبِ الَّذِي لَمْ تَلِدْ مِنْهُ وُقِفَ عَنْهَا الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ, وَوُضِعَتْ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ حَتَّى يَحْضُرَ سَيِّدُهَا فَيَدَّعِيَ فَيَكُونَ خَصْمًا أَوْ يُكَذِّبَ الْبَيِّنَةَ فَلاَ يَكُونَ خَصْمًا, وَتَكُونَ لِلَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا شَهِدَتْ لَهُ, وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِالْقُرْعَةِ جَعَلَهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ, وَرَدَّ الَّذِي لَيْسَتْ بِيَدَيْهِ بِنِصْفِ عُقْرِهَا, وَنِصْفِ قِيمَةِ وَلَدِهَا يَوْمَ سَقَطُوا, وَنِصْفِ قِيمَتِهَا, وَجَعَلَهَا أُمَّ وَلَدٍ لِلْآخَرِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مِنْ أَيْنَ جَعَلْت لَهَا الْعُقْرَ, وَالْوَاطِئُ لَمْ يَطَأْهَا عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ عَلَيْهَا اسْمُ نِكَاحٍ؟ قِيلَ لَوْ كُنْت لاَ أَجْعَلُ الْعُقْرَ إلَّا عَلَى وَاطِئٍ نَكَحَ نِكَاحًا صَحِيحًا أَوْ نِكَاحًا فَاسِدًا فَلَزِمَهُ قَبْلَ الْوَطْءِ أَنَّهُ نَاكِحٌ لِلَّتِي وَطِئَ زَعَمْت أَنَّ رَجُلَيْنِ لَوْ نَكَحَا أُخْتَيْنِ فَأُخْطِئَ بِامْرَأَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى صَاحِبِهِ فَأَصَابَهَا لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُقْرٌ, وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُصِيبَيْنِ غَيْرُ نَاكِحٍ لِلَّتِي أَصَابَ نِكَاحًا صَحِيحًا, وَلاَ نِكَاحًا فَاسِدًا فَلَمَّا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الْمَهْرُ بِالْأَثَرِ اسْتَدْلَلْنَا بِالْأَثَرِ, وَمَا فِي مَعْنَاهُ عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ إنَّمَا يَكُونُ لِلْمَرْأَةِ حَيْثُ يَكُونُ الْحَدُّ عَنْهَا سَاقِطًا بِأَنْ لاَ تَكُونَ زَانِيَةً, وَمِمَّا فِي هَذَا الْمَعْنَى الرَّجُلُ يَغْصِبُ الْمَرْأَةَ فَيُصِيبُهَا فَيَكُونُ عَلَيْهِ لَهَا الْمَهْرُ, وَمَا قُلْت هَذَا أَنَّ فِيهِ أَثَرًا عَنْ أَحَدٍ يَلْزَمُ قَوْلُهُ, وَلاَ إجْمَاعًا, وَلَكِنِّي وَجَدْت الْمَهْرَ إنَّمَا هُوَ لِلْمَرْأَةِ فَلَمَّا كَانَتْ الْمَرْأَةُ بِهَذَا الْجِمَاعِ غَيْرَ مَحْدُودَةٍ لِأَنَّهَا غَيْرُ زَانِيَةٍ, وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ زَانِيًا جَعَلْت لَهَا الْمَهْرَ, وَإِنْ كَانَتْ أَضْعَفَ حَالاً مِنْ الْأُولَى لِأَنَّ الْأُولَى وَالْوَاطِئَ غَيْرُ زَانِيَيْنِ, وَوَاطِئُ الْمَغْصُوبَةِ زَانٍ فَلَمَّا حَكَمْت فِي الْمُخْطَأِ بِهَا وَالْمَغْصُوبَةِ هَذَا الْحُكْمَ, وَفِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ كَانَتْ الْأَمَةُ وَالْحُرَّةُ مُسْتَوِيَتَيْنِ حَيْثُمَا وَجَبَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَهْرٌ وَجَبَ لِلْأُخْرَى لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} لَمْ تَحِلَّ أَمَةٌ وَلاَ حُرَّةٌ لِأَحَدٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا بِصَدَاقٍ فَإِذَا كَانَتَا مُجْتَمَعَتَيْنِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ ثُمَّ جَعَلْنَا الْخَطَأَ فِي الْحُرَّةِ, وَالِاغْتِصَابَ بِصَدَاقٍ كَمَا جَعَلْنَاهُ فِي الصَّحِيحِ فَكَذَلِكَ الْأَمَةُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا جَمَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا هُوَ قِيَاسٌ عَلَى مَا جَمَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَيْنَهُ فِي الْمَهْرِ.
|